للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَدْخُولٍ لِلَامِ التَّعْلِيلِ، وَتَضَمَّنَ (أَنْ) بَعْدَهُ. وَالتَّقْدِيرُ: لِيَنْتَقِمَ مِنْهُمْ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ الْخَ. وَسَمَّوْا هَذِهِ الْوَاوَ وَاوَ الصَّرْفِ لِأَنَّهَا تَصْرِفُ مَا بَعْدَهَا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهَا، إِلَى أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى فِعْلٍ مُتَصَيَّدٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ مَا يَرْتَفِعُ بَيْنَ الْجَزْمَيْنِ وَيَنْجَزِمُ بَيْنَهُمَا، وَتَبِعَهُ فِي «الْكَشَّافِ» ، وَذَهَبَ الزَّجَّاجُ إِلَى أَنَّ الْوَاوَ وَاوُ الْمَعِيَّةِ الَّتِي يُنْصَبُ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا بِ (أَنْ) مُضْمَرَةٍ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلًا فِي مُقَارَبَةِ الْمُخْبَرِ بِهِ كَقَوْلِهِمْ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا كَانَ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ يُوشِكُ أَنْ يَحْصُلَ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْحَاصِلِ فَأُخْبِرَ عَنْهُمْ بِهِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ إِنْذَارًا بِعِقَابٍ يَحْصُلُ لَهُمْ قَرِيبٍ وَهُوَ عَذَابُ السَّيْفِ وَالْأَسْرِ يَوْمَ بَدْرٍ.

وَذُكِرَ فِعْلُ يَعْلَمَ لِلتَّنْوِيهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِالْخَبَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٢٣] ، وَقَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٤١] ،

وَقَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ فَنَادَاهُ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ!

اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ. فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ لِي: إِنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَوَاخِرَ كِتَابِ الْإِيمَانِ

. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا فِي هَذِهِ السُّورَةِ.

وَمَا نَافِيَةٌ، وَهِيَ مُعَلِّقَةٌ لِفِعْلِ يَعْلَمَ عَنْ نَصْبِ الْمَفْعُولَيْنِ.

وَالْمَحِيصُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مَنْ حَاصَ، إِذَا أَخَذَ فِي الْفِرَارِ وَمَالَ فِي سَيْرِهِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي وَصْفِ مَجْلِسِ هِرَقْلَ «فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ وَأُغْلِقَتِ الْأَبْوَابُ» . وَالْمَعْنَى: مَا لَهُمْ مِنْ فِرَارٍ وَمَهْرَبٍ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ: مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيدٍ وَلَا مَلْجَأٍ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً فِي سُورَة النِّسَاء [١٢١] .