وَالْمَثَلُ: النَّظِيرُ وَالْمُشَابِهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَالُ الْعَجِيبَةُ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ مَثَلًا يَنْشَأُ وَيَتَقَوَّمُ مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا.
وَالْمُرَادُ نَشْأَةُ الْمُشَابَهَةِ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ تَقْدِيرُهُ: مِنْ أَمْثَالِ
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ. وَحَذْفُ الْمُضَافِ فِي مِثْلِ هَذَا طَرِيقَةٌ فَصِيحَةٌ، قَالَ النَّابِغَةُ:
وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلُ
أَرَادَ عَلَى مَخَافَةِ وَعْلٍ.
والَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ هُمُ الْأُمَمُ الَّذِينَ سَبَقُوا الْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ: مِنْ أَمْثَال صالحي الَّذين خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ.
وَهَذَا الْمَثَلُ هُوَ قِصَّةُ الْإِفْكِ النَّظِيرَةُ لِقِصَّةِ يُوسُفَ وَقِصَّةِ مَرْيَمَ فِي تَقَوُّلِ الْبُهْتَانِ عَلَى الصَّالِحِينَ الْبُرَآءِ.
وَالْمَوْعِظَةُ: كَلَامٌ أَوْ حَالَةٌ يَعْرِفُ مِنْهَا الْمَرْءُ مَوَاقِعَ الزَّلَلِ فَيَنْتَهِي عَنِ اقْتِرَافِ أَمْثَالِهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٦٣] وَقَوْلِهِ: مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٤٥] .
وَمَوَاعِظُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النُّور: ٢] وَقَوْلِهِ: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ [النُّور: ١٢] الْآيَاتِ، وَقَوْلِهِ: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً [النُّور: ١٧] .
وَالْمُتَّقُونَ: الَّذِينَ يَتَّقُونَ، أَيْ يَتَجَنَّبُونَ مَا نُهُوا عَنْهُ.
[٣٥]
[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ٣٥]
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
أَتْبَعَ مِنَّةَ الْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ فِي أَحْكَامٍ خَاصَّةٍ الْمُفَادَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ [النُّور: ٣٤] الْآيَةَ بِالِامْتِنَانِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ مُكَوِّنُ أُصُولِ الْهِدَايَةِ الْعَامَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْحَقِّ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ بِإِرْسَالِ رَسُولِهِ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، مَعَ مَا فِي هَذَا الِامْتِنَانِ مِنَ الْإِعْلَامِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَجْدِهِ وَعُمُومِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ.