فِي النَّاسِ بِالْجُودِ أَوْ بِاللُّؤْمِ. وَالْمَعْنَى: بِئْسَ الذِّكْرُ أَنْ يُذَكَرَ أَحَدٌ بِالْفُسُوقِ بَعْدَ أَنْ وُصِفَ بِالْإِيمَانِ.
وَإِيثَارُ لَفْظِ الِاسْمِ هُنَا مِنَ الرَّشَاقَةِ بِمَكَانٍ لِأَنَّ السِّيَاقَ تَحْذِيرٌ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ بِالْأَسْمَاءِ الذَّمِيمَةِ إِذِ الْأَلْقَابُ أَسْمَاءٌ فَكَانَ اخْتِيَارُ لَفْظِ الِاسْمِ لِلْفُسُوقِ مُشَاكَلَةً مَعْنَوِيَّةً.
وَمَعْنَى الْبَعْدِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: بَعْدَ الْإِيمانِ: بَعْدَ الِاتِّصَافِ بِالْإِيمَانِ، أَيْ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُنَاسِبُهُ الْفُسُوقُ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ لَا يَزَعُهُمْ عَنِ الْفُسُوقِ وَازِعٌ، وَهَذَا كَقَوْلِ جَمِيلَةَ بِنْتِ أُبَيٍّ حِينَ شكت للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا تَكْرَهُ زَوْجَهَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ وَجَاءَتْ تَطْلُبُ فِرَاقَهُ: «لَا أَعِيبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا فِي خُلُقٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ- تُرِيدُ التَّعْرِيضَ بِخَشْيَةِ الزِّنَا- وَإِنِّي لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا» .
وَإِذْ كَانَ كُلٌّ مِنَ السُّخْرِيَةِ وَاللَّمْزِ وَالتَّنَابُزِ مَعَاصِيَ فَقَدْ وَجَبَتِ التَّوْبَةُ مِنْهَا فَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ ظَالِمٌ: لِأَنَّهُ ظَلَمَ النَّاسَ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ، وَظَلَمَ نَفْسَهُ بِأَنْ رَضِيَ لَهَا عِقَابَ الْآخِرَةِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْإِقْلَاعِ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ ظُلْمُهُ شَدِيدًا جِدًّا. فَلِذَلِكَ جِيءَ لَهُ بِصِيغَةِ قَصْرِ الظَّالِمِينَ عَلَيْهِمْ كَأَنَّهُ لَا ظَالِمَ غَيْرُهُمْ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالظَّالِمِينَ الْآخَرِينَ فِي مُقَابَلَةِ هَؤُلَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ لِيَزْدَجِرُوا. وَالتَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَهَذِهِ الذُّنُوبُ الْمَذْكُورَةُ مَرَاتِبُ وَإِدْمَانُ الصَّغَائِرِ كَبِيرَةٌ.
وَتَوْسِيطُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِزِيَادَةِ تَمْيِيزِهِمْ تَفْظِيعًا لِحَالِهِمْ وَلِلتَّنْبِيهِ، بَلْ إِنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا قَصْرَ الظُّلْمِ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَوْصَافِ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ.
[١٢]
[سُورَة الحجرات (٤٩) : آيَة ١٢]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
أُعِيدَ النِّدَاءُ خَامِسَ مَرَّةٍ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَنْهِيَّاتِ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ هَذَا النِّدَاءِ مِنْ جِنْسِ الْمُعَامَلَاتِ السَّيِّئَةِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي لَا يَتَفَطَّنُ لَهَا مَنْ عُومِلَ بِهَا فَلَا يَدْفَعُهَا فَمَا يُزِيلُهَا مِنْ نَفْسِ مَنْ عَامَلَهُ بِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute