وَأُوثِرَ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ مَنْ يُؤْمِنُ لِيَشْمَلَ مَنْ آمَنُوا مِنْ قَبْلُ فَيُفِيدُ الْمُضَارِعُ اسْتِمْرَارَ إِيمَانِهِمْ وَمَنْ سَيُؤْمِنُونَ.
وَقَدْ ظَهَرَ مِنَ التَّقْسِيمِ الْحَاصِلِ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى [النَّمْل: ٨٠] إِلَى هُنَا، أَنَّ النَّاسَ قِسْمَانِ مِنْهُمْ مَنْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ حَتَّى يُعَاجِلَهُ الْهَلَاكُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ السَّعَادَةَ فَيُؤْمِنُ سَرِيعًا أَوْ بَطِيئًا قَبْلَ الْوَفَاةِ.
وَفُرِّعَ عَلَيْهِ فَهُمْ مُسْلِمُونَ الْمُفِيدُ لِلدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ لِأَنَّهُمْ إِذَا آمَنُوا فَقَدْ صَارَ الْإِسْلَامُ رَاسِخًا فِيهِمْ وَمُتَمَكِّنًا مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بشاشته الْقُلُوب.
[٨٢]
[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٨٢]
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لَا يُوقِنُونَ (٨٢)
هَذَا انْتِقَالٌ إِلَى التَّذْكِيرِ بِالْقِيَامَةِ وَمَا ادُّخِرَ لَهُمْ مِنَ الْوَعِيدِ. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمَلِ قَبْلَهَا عَطْفَ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ. وَمُنَاسِبَةُ ذِكْرِهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى إِلَى قَوْلِهِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [النَّمْل: ٨٠، ٨١] . وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْمَوْتَى وَالصُّمِّ وَالْعُمْيِ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ.
والْقَوْلُ أُرِيدَ بِهِ أَخْبَارُ الْوَعِيدِ الَّتِي كَذَّبُوهَا مُتَهَكِّمِينَ بِاسْتِبْطَاءِ وُقُوعِهَا بِقَوْلِهِمْ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [النَّمْل: ٧١] ، فَالتَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْعَهْدِ يُفَسِّرُهُ الْمَقَامُ.
وَالْوُقُوعُ مُسْتَعَارٌ لِحُلُولِ وَقَتِهِ وَذَلِكَ مِنْ وَقْتِ تَهَيُّؤِ الْعَالَمِ لِلْفَنَاءِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ أَهْلُ الْجَنَّةَ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ.
وَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَشْرَاطِ حُلُولِ الْوَعِيدِ الَّذِي أُنْذِرُوا بِهِ وَهُوَ الْوَعِيدُ الْأَكْبَرُ يَعْنِي وَعِيدَ الْبَعْثِ، فَتُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَهُوَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ. وَالتَّعْبِيرُ عَنْ وُقُوعِهِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِتَقْرِيبِ زَمَنِ الْحَالِ مِنَ الْمُضِيِّ، أَيْ أَشْرَفَ وُقُوعُهُ، عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْمُضِيِّ مَعَ (إِذَا) يَنْقَلِبُ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ.
وَالدَّابَّةُ: اسْمٌ لِلْحَيِّ مِنْ غَيْرِ الْإِنْسَانِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الدَّبِيبِ، وَهُوَ الْمَشْيُ عَلَى