[سُورَة الْحَج (٢٢) : آيَة ٣٨]
إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ جَوَابًا لِسُؤَالٍ يَخْطِرُ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ يَنْشَأُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ، فَإِنَّهُ تَوَعَّدَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْبِتِينَ وَالْمُحْسِنِينَ بِمَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ ضِدُّ وَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ ثَوَابُ الْآخِرَةِ. وَطَالَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ بِمَا تَبِعَهُ لَا جَرَمَ تَشَوَّفَتْ نُفُوسُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَعْرِفَةِ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَهَلْ يُنْتَصَرُ لَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ أَوْ يُدَّخَرُ لَهُمُ الْخَيْرُ كُلُّهُ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ. فَكَانَ الْمَقَامُ خَلِيقًا بِأَنْ يُطَمْئِنَ اللَّهُ نُفُوسَهُمْ بِأَنَّهُ كَمَا أَعَدَّ لَهُمْ نَعِيمَ الْآخِرَةِ هُوَ أَيْضًا مُدَافِعٌ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَنَاصِرُهُمْ، وَحَذْفُ مَفْعُولِ يُدافِعُ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ.
فَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلِذَلِكَ فَافْتِتَاحُهُ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ إِمَّا لِمُجَرَّدِ تَحْقِيقِ الْخَبَرِ، وَإِمَّا لِتَنْزِيلِ غير المتردد منزلَة الْمُتَرَدَّدِ لِشِدَّةِ انْتِظَارِهِمُ النَّصْرَ وَاسْتِبْطَائِهِمْ إِيَّاهُ.
وَالتَّعْبِيرُ بِالْمَوْصُولِ لِمَا فِيهِ من الْإِيمَاء إِلَى وَجْهُ بِنَاءِ الْخَبَرِ وَأَنَّ دِفَاعَ اللَّهِ عَنْهُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَفْظَ يُدافِعُ بِأَلْفٍ بَعْدَ الدَّالِ فَيُفِيدُ قُوَّةَ الدَّفْعِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ كثير، وَيَعْقُوب يُدافِعُ بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدَ الدَّالِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ تَعْلِيل لتقييد الدِّفَاعِ بِكَوْنِهِ عَنِ الَّذِينَ
آمَنُوا، بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ الْخَائِنِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute