وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي تَطَوُّعِ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ بِقُرْبَةٍ، وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى النِّيَابَةِ فِي الْقُرَبِ: فَأَمَّا الْحَجُّ فَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ بِوَصِيَّةٍ، أَوْ بِغَيْرِهَا، لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْ مُقَوِّمَاتِ الْحَجِّ، وَيَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا يَجُوزُ أَخْذُ فَاعِلِهَا أُجْرَةً عَلَى فِعْلِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فِيهَا، وَأَنَّ الْقُرَبَ الَّتِي يَصِحُّ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى النِّيَابَةِ فِيهَا مِثْلَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَقَدَ أَقَرَّ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلَ الَّذِينَ أَخَذُوا أَجْرًا عَلَى رُقْيَةِ الْمَلْدُوغِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
وَإِذَا عَلِمْتَ هَذَا كُلَّهُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى هُوَ حُكْمٌ كَانَ فِي شَرِيعَةٍ سَالِفَةٍ، فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَحِبُ عَلَيْنَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ بِصِحَّةِ
النِّيَابَةِ فِي الْأَعْمَالِ فِي دِينِنَا مَعَارِضٌ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ، وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ شَرْعَ غَيْرِنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ، مِنْهُمْ مَنْ أَعْمَلَ عُمُومَ الْآيَةِ وَتَأَوَّلَ الْأَخْبَارَ الْمُعَارِضَةَ لَهَا بِالْخُصُوصِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا مُخَصِّصَةً لِلْعُمُومِ، أَوْ نَاسِخَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ ظَاهِرَ الْآيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَقِيقَةً بِحَيْثُ يَعْتَمِدُ عَلَى عَمَلِهِ، أَوْ تَأَوَّلَ السَّعْيَ بِالنِّيَّةِ. وَتَأَوَّلَ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ:
لِلْإِنْسانِ بِمَعْنى (على) ، أَي لَيْسَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ.
وَفِي تَفْسِير سُورَة الرحمان مِنَ «الْكَشَّافِ» : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ قَالَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ: أُشْكِلَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُ آيَاتٍ. فَذَكَرَ لَهُ مِنْهَا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى فَمَا بَالُ الْأَضْعَافِ، أَيْ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [الْبَقَرَة: ٢٤٥] ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا سَعَى عَدْلًا، وَلِي أَنْ أُجْزِيَهُ بِوَاحِدَةٍ ألفا فضلا (١) .
[٤٠، ٤١]
[سُورَة النَّجْم (٥٣) : الْآيَات ٤٠ إِلَى ٤١]
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١)
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [النَّجْم: ٣٨] فَهِيَ مِنْ تَمام تَفْسِير بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ [النَّجْم: ٣٦، ٣٧] فَيَكُونُ تَغْيِيرُ الْأُسْلُوبِ إِذْ جِيءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِحَرْفِ أَنَّ الْمُشَدَّدَةِ لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ أَنْ يَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْ سَعْيِ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ
(١) انْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله تَعَالَى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فِي سُورَة الرحمان [٢٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute