للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ [الرَّعْد: ٢] إِلَى هُنَا بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ.

وَجَعَلَ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَات ظروفا لآيَات لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ

تَتَضَمَّنُ آيَاتٍ عَظِيمَةً يَجْلُوهَا النَّظَرُ الصَّحِيحُ وَالتَّفْكِيرُ الْمُجَرَّدُ عَنِ الْأَوْهَامِ. وَلِذَلِكَ أَجْرَى صِفَةَ التَّفْكِيرِ عَلَى لَفْظِ قَوْمٍ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ التَّفْكِيرَ الْمُتَكَرِّرَ الْمُتَجَدِّدَ هُوَ صِفَةٌ رَاسِخَةٌ فِيهِمْ بِحَيْثُ جُعِلَتْ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ، أَيْ جِبِلَّتِهِمْ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي دَلَالَةِ لَفْظِ قَوْمٍ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] .

وَفِي هَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الَّذِينَ نَسَبُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى التَّفْكِيرِ مِنَ الطَّبَائِعِيِّينَ فَعَلَّلُوا صُدُورَ الْمَوْجُودَاتِ عَنِ الْمَادَّةِ وَنَفَوُا الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ مَا فَكَّرُوا إِلَّا تَفْكِيرًا قَاصِرًا مَخْلُوطًا بِالْأَوْهَامٍ لَيْسَ مَا تَقْتَضِيهِ جِبِلَّةُ الْعَقْلِ إِذِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمُ الْعِلَلُ وَالْمَوَالِيدُ، بِأَصْلِ الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ.

وَجِيءَ فِي التَّفْكِيرِ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّكَلُّفِ وَبِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَفْكِيرٍ شَدِيدٍ وَمُكَرَّرٍ.

وَالتَّفْكِيرُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ فِي سُورَة الْأَنْعَام [٥٠] .

[٤]

[سُورَة الرَّعْد (١٣) : آيَة ٤]

وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)

لِلَّهِ بَلَاغَةُ الْقُرْآنِ فِي تَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ إِلَى ذِكْرِ النِّعَمِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَلْهَمَ النَّاسَ مِنَ الْعَمَلِ فِي الْأَرْضِ بِفَلْحِهَا وَزَرْعِهَا وَغَرْسِهَا