للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَعَ الْآخَرِ.

وَشَاعَ إِطْلَاقُ الزَّوْجِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْحَيَوَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٥] ، وَقَوْلُهُ: وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ [١] ، وَقَوْلُهُ: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق: ٧] فَذَلِكَ إِطْلَاقُ الزَّوْجِ عَلَى الصِّنْفِ بِنَاءً عَلَى شُيُوعِ إِطْلَاقِهِ عَلَى صِنْفِ الذَّكَرِ وَصِنْفِ الْأُنْثَى فَأُطْلِقَ مَجَازًا عَلَى مُطْلَقِ صِنْفٍ مِنْ غَيْرِ مَا يَتَّصِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ، وَالْقَرِينَةُ قَوْلُهُ: أَنْبَتْنا مَعَ عَدَمِ التَّثْنِيَةِ، كَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى فِي سُورَةِ طَهَ [٥٣] .

وَتَنْكِيرُ زَوْجَيْنِ لِلتَّنْوِيعِ، أَيْ جَعَلَ زَوْجَيْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. وَمَعْنَى التَّثْنِيَةِ فِي زَوْجَيْنِ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنَ الزَّوْجِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ زَوْجٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٤٣] .

وَالْوَصْفُ بقوله: اثْنَيْنِ للتَّأْكِيد تَحْقِيقًا لِلِامْتِنَانِ.

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ جُمْلَةُ يُغْشِي حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ جَعَلَ. وَجِيءَ فِيهِ بِالْمُضَارِعِ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ التَّجَدُّدِ لِأَنَّ جَعْلَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا جَعْلٌ ثَابِتٌ مُسْتَمِرٌّ، وَأَمَّا إِغْشَاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَهُوَ أَمْرٌ مُتَجَدِّدٌ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِأَعْرَاضِ أَحْوَالِ الْأَرْضِ. وَذِكْرُهُ مَعَ آيَاتِ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ الْعِلْمِيَّةِ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مِنْ أَعْرَاضِ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ بِحَسَبِ اتِّجَاهِهَا إِلَى الشَّمْسِ وَلَيْسَا مِنْ أَحْوَالِ السَّمَاوَاتِ إِذِ الشَّمْسُ وَالْكَوَاكِبُ لَا يَتَغَيَّرُ حَالُهَا بِضِيَاءٍ وَظُلْمَةٍ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ قَوْلِهِ: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٥٤] .

وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِسُكُونِ الْغَيْنِ- وَتَخْفِيفِ الشِّينِ- مُضَارِعُ أَغْشَى. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَيَعْقُوبُ، وَخَلَفٌ- بِتَشْدِيدِ الشِّينِ- مُضَارِعُ غَشَّى.