وفِي رَيْبِهِمْ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ، خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ، وَالظَّرْفِيَّةُ مَجَازِيَّةٌ مُفِيدَةٌ إِحَاطَةَ الرَّيْبِ بِهِمْ، أَيْ تَمَكُّنَهُ مِنْ نُفُوسِهِمْ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: فِي رَيْبِهِمْ مُتَعَلِّقًا بِ يَتَرَدَّدُونَ.
وَالتَّرَدُّدُ حَقِيقَتُهُ ذِهَابٌ وَرُجُوعٌ مُتَكَرِّرٌ إِلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَهُوَ هُنَا تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْمُتَحَيِّرِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَعَدَمِهِ بِحَالِ الْمَاشِي وَالرَّاجِعِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: يُقَدِّمُ رِجْلًا وَيُؤَخِّرُ أُخْرَى.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَصْرِيحٌ لِلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ، وَأَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَ رَسُولَهُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ، لِأَنَّ أَمْرَ اسْتِئْذَانِهِمْ فِي التَّخَلُّفِ قَدْ عرفه النَّاس.
[٤٦]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٤٦]
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦)
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [التَّوْبَة: ٤٥] لِأَنَّ مَعْنَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا:
أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا الْخُرُوجَ إِلَى الْغَزْوِ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى عَدَمِ إِرَادَتِهِمُ الْخُرُوجَ إِذْ لَوْ أَرَادُوهُ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ. وَهَذَا تَكْذِيبٌ لزعمهم أنّهم تهيّأوا لِلْغَزْوِ ثُمَّ عَرَضَتْ لَهُمُ الْأَعْذَارُ فَاسْتَأْذَنُوا فِي الْقُعُودِ لِأَنَّ عَدَمَ إِعْدَادِهِمُ الْعُدَّةَ لِلْجِهَادِ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ إِرَادَتِهِمُ الْخُرُوجَ إِلَى الْغَزْوِ.
والعدّة بِضَمِّ الْعَيْنِ: مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ، كَالسِّلَاحِ لِلْمُحَارِبِ، وَالزَّادِ لِلْمُسَافِرِ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْإِعْدَادِ وَهُوَ التَّهْيِئَةُ.
وَالْخُرُوجُ تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَالِاسْتِدْرَاكُ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ شَرْطُ لَوْ مِنْ فَرْضِ إرادتهم الْخُرُوج تَأْكِيد الانتفاء وُقُوعِهِ بِإِثْبَاتِ ضِدِّهِ، وَعَبَّرَ عَنْ ضِدِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute