للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخُرُوجِ بِتَثْبِيطِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ لِأَنَّهُ فِي السَّبَبِ الْإِلَهِيِّ ضِدُّ الْخُرُوجِ فَعَبَّرَ بِهِ عَنْ مُسَبِّبِهِ، وَاسْتِعْمَالُ الِاسْتِدْرَاكِ كَذَلِكَ بَعْدَ لَوْ اسْتِعْمَالٌ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِهِمْ كَقَوْلِ أُبَيِّ بْنِ سُلْمَى الضَّبِّيِّ:

فَلَوْ طَارَ ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطَارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ

وَقَوْلِ الْغَطَمَّشِ الضَّبِّيِّ:

أَخِلَّايَ لَوْ غَيْرُ الْحِمَامِ أَصَابَكُمْ ... عَتِبْتُ وَلَكِنْ مَا عَلَى الْمَوْتِ مَعْتَبُ

إِلَّا أَنَّ اسْتِدْرَاكَ ضِدِّ الشَّرْطِ فِي الْآيَةِ كَانَ بِذِكْرِ مَا يُسَاوِي الضِّدَّ: وَهُوَ تَثْبِيطُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، تَوْفِيرًا لِفَائِدَةِ الِاسْتِدْرَاكِ بِبَيَانِ سَبَبِ الْأَمْرِ الْمُسْتَدْرَكِ، وَجَعْلِ هَذَا السَّبَبِ مُفَرَّعًا عَلَى عِلَّتِهِ: وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ كَرِهَ انْبِعَاثَهُمْ، فَصِيغَ الِاسْتِدْرَاكُ بِذِكْرِ عِلَّتِهِ اهْتِمَامًا بِهَا، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ عَدَمَ إِرَادَتِهِمُ الْخُرُوجَ كَانَ حِرْمَانًا مِنَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَعِنَايَةً بِالْمُسْلِمِينَ فَجَاءَ الْكَلَامُ بِنَسْجٍ بَدِيعٍ وَحَصَلَ التَّأْكِيدُ مَعَ فَوَائِدَ زَائِدَةٍ.

وَكَرَاهَةُ اللَّهِ انْبِعَاثَهُمْ مُفَسَّرَةٌ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [التَّوْبَة: ٤٧] .

وَالِانْبِعَاثُ: مُطَاوِعٌ بَعْثَهُ إِذَا أَرْسَلَهُ.

وَالتَّثْبِيطُ: إِزَالَةُ الْعَزْمِ. وَتَثْبِيطُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ: أَنْ خَلَقَ فِيهِمُ الْكَسَلَ وَضَعْفَ الْعَزِيمَةِ عَلَى الْغَزْوِ.

وَالْقُعُودُ: مُسْتَعْمَلٌ فِي تَرْكِ الْغَزْوِ تَشْبِيهًا لِلتَّرْكِ بِالْجُلُوسِ.

وَالْقَوْل: الَّذِي فِي وَقِيلَ اقْعُدُوا قَوْلُ أَمْرِ التَّكْوِينِ: أَيْ كَوَّنَ فِيهِمُ الْقُعُودَ عَنِ الْغَزْوِ.

وَزِيَادَةُ قَوْلِهِ: مَعَ الْقاعِدِينَ مَذَمَّةٌ لَهُمْ: لِأَنَّ الْقَاعِدِينَ هُمُ الَّذِينَ شَأْنُهُمُ الْقُعُودُ عَنِ الْغَزْوِ، وَهُمُ الضُّعَفَاءُ مِنْ صِبْيَانٍ وَنِسَاءٍ كالعمي والزمنى.