[سُورَة الْفَتْح (٤٨) : آيَة ١٤]
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [الْفَتْح: ١١] فَهُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَوْلِ، وَهَذَا انْتِقَالٌ مِنَ التخويف الَّذِي أَو همه فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِلَى إِطْمَاعِهِمْ بِالْمَغْفِرَةِ الَّتِي سَأَلُوهَا، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ الضُّرُّ عَلَى النَّفْعِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى فَقِيلَ إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً [الْفَتْح: ١١] لِيَكُونَ احْتِمَالُ إِرَادَةِ الضُّرِّ بِهِمْ أَسْبَقَ فِي نُفُوسِهِمْ.
وَقُدِّمَتِ الْمَغْفِرَةُ هُنَا بِقَوْلِهِ: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ لِيَتَقَرَّرَ مَعْنَى الْإِطْمَاعِ فِي نُفُوسِهِمْ فَيَبْتَدِرُوا إِلَى اسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَهُمْ. وَهَذَا تَمْهِيدٌ لِوَعْدِهِمُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً [الْفَتْح: ١٦] .
وَزَادَ رَجَاءَ الْمَغْفِرَةِ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً أَيِ الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ أَقْرَبُ مِنَ الْعِقَابِ، وَلِلْأَمْرَيْنِ مَوَاضِعُ وَمَرَاتِبُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَالنَّوَايَا وَالْعَوَارِضِ، وَقِيمَةُ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَقَدَّرَهَا تَقْدِيرًا.
وَلَفْظُ مَنْ يَشاءُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِجْمَالٌ لِلْمَشِيئَةِ وَأَسْبَابِهَا وَقَدْ بُيِّنَتْ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي تَضَاعِيفِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاء: ٤٨] .
[١٥]
[سُورَة الْفَتْح (٤٨) : آيَة ١٥]
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥)
هَذَا اسْتِئْنَافٌ ثَانٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا [الْفَتْح: ١١] . وَهُوَ أَيْضًا إِعْلَام للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَيَقُولُهُ الْمُخَلَّفُونَ عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُذْرِهِمُ الْكَاذِبِ، وَأَنَّهُمْ سَيَنْدَمُونَ عَلَى تَخَلُّفِهِمْ حِينَ يَرَوْنَ اجْتِنَاءَ أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute