للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِثْمُ وَالْعُدْوَانُ وَمَعْصِيَةُ الرَّسُولِ تَقَدَّمَتْ. وَأَمَّا الْبِرُّ فَهُوَ ضِدُّ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَهُوَ يَعُمُّ أَفْعَالَ الْخَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الدِّينِ.

والتَّقْوى: الِامْتِثَالُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢] .

وَفِي قَوْلِهِ: الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ تَذْكِيرٌ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ. فَالْمَعْنَى: الَّذِي إِلَيْهِ تحشرون فيجازيكم.

[١٠]

[سُورَة المجادلة (٥٨) : آيَة ١٠]

إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)

تَسْلِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَأْنِيسٌ لِنُفُوسِهِمْ يُزَالُ بِهِ مَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْحُزْنِ لِمُشَاهَدَةِ نَجْوَى الْمُنَافِقِينَ لِاخْتِلَافِ مَذَاهِبِ نُفُوسِهِمْ إِذَا رَأَوُا الْمُتَنَاجِينَ فِي عَدِيدِ الظُّنُونِ وَالتَّخَوُّفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ اقْتَضَتْهُ مُنَاسِبَةُ النَّهْيِ عَنِ النَّجْوَى، عَلَى أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ تَعْلِيلًا لِتَأْكِيدِ النَّهْيِ عَنِ النَّجْوَى.

وَالتَّعْرِيفُ فِي النَّجْوى تَعْرِيفُ الْعَهْدِ لَا مَحَالَةَ. أَيْ نَجْوَى الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ومعصية الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَالْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إِنَّمَا قَصْرٌ مَوْصُوفٌ عَلَى صِفَةٍ ومِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ قَصَرَ النَّجْوَى عَلَى الْكَوْنِ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَيْ جَائِيَةٌ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ الَّتِي يَتَنَاجَوْنَ فِيهَا مِنْ أَكْبَرِ مَا يُوَسْوِسُ الشَّيْطَانُ لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ بِأَنْ يَفْعَلُوهُ لِيُحْزِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِمَا يَتَطَرَّقُهُمْ مِنْ خَوَاطِرِ الشَّرِّ بِالنَّجْوَى. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَيْسَتْ قَيْدًا فِي الْحَصْرِ فَإِنَّ لِلشَّيْطَانِ عِلَلًا أُخْرَى مِثْلَ إِلْقَاءِ الْمُتَنَاجِينَ فِي الضَّلَالَةِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ عَلَى إِلْقَاءِ الْفِتْنَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَغْرَاضِ الشَّيْطَانِيَّةِ.

وَقَدْ خُصَّتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَسْلِيَةُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَصَبُّرُهُمْ عَلَى أَذَى الْمُنَافِقِينَ وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً لِيَطْمَئِنَّ الْمُؤْمِنُونَ بِحِفْظِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مِنْ ضُرِّ الشَّيْطَانِ. وَهَذَا نَحْو من قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الْحجر:

٤٢] .