وَلَعَلَّ سَبَبَ هَذَا الِاضْطِرَابِ اخْتِلَاط فِي الرِّوَايَات بَيْنَ فَرْضِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَبَيْنَ التَّرْغِيبِ فِيهِ.
وَنَسَبَ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى «تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ» قَالَ: قَالَ النَّخَعِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَزَمِّلًا بِقَطِيفَةِ عَائِشَةَ، وَهِيَ مِرْطٌ نِصْفُهُ عَلَيْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ وَنِصْفُهُ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي
اهـ، وَإِنَّمَا بَنَى النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَائِشَةَ فِي الْمَدِينَةِ، فَالَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ نَزَلَ بِمَكَّةَ لَا مَحَالَةَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: ٥] ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ سِنِينَ مِنْ نُزُولِ أَوَّلِ السُّورَةِ لِأَنَّ فِيهِ نَاسِخًا لِوُجُوبِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَأَنَّهُ نَاسِخٌ لِوُجُوبِ قيام اللَّيْل على النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ مَا رَوَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَوَّلَ مَا فُرِضَ قِيَامُ اللَّيْلِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ غَرِيبٌ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ قَالَا: إِنَّ آيَتَيْنِ وَهُمَا وَاصْبِرْ
عَلى مَا يَقُولُونَ
إِلَى قَوْلِهِ: وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: ١٠، ١١] نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي عَدِّ هَذِهِ السُّورَةِ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ، وَالْأَصَحُّ الَّذِي تَضَافَرَتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ: أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ سُورَةُ الْعَلَقِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا نَزَلَ بَعْدَ سُورَةِ الْعَلَقِ، فَقِيلَ سُورَةُ ن وَالْقَلَمِ، وَقِيلَ نَزَلَ بَعْدَ الْعَلَقِ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ ثُمَّ قِيلَ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ بَعْدَ الْقَلَمِ فَتَكُونُ ثَالِثَةً. وَهَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي تَعْدَادِ نُزُولِ السُّوَرِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُدَّثِّرَ هِيَ الثَّانِيَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقَلَمُ ثَالِثَةً وَالْمُزَّمِّلُ رَابِعَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمُزَّمِّلُ هِيَ الثَّالِثَةَ وَالْقَلَمُ رَابِعَةً، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُدَّثِّرَ نَزَلَتْ قَبْلَ الْمُزَّمِّلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مِنْ «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ الْآيَة.
وعدة آيُهَا فِي عَدِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي عَدِّ أَهْلِ الْبِصْرَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَفِي عَدِّ مَنْ عَدَاهُمْ عِشْرُونَ.
أَغْرَاضُهَا
الْإِشْعَارُ بِمُلَاطَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِدَائِهِ بِوَصْفِهِ بِصِفَةِ تَزَمُّلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute