للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢٥]

[سُورَة الْفَتْح (٤٨) : آيَة ٢٥]

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥)

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ.

اسْتِئْنَافٌ انْتَقَلَ بِهِ مِنْ مَقَامِ الثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا اكْتَسَبُوا بِتِلْكَ الْبيعَة من رضى اللَّهِ تَعَالَى وَجَزَائِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ وَخَيْرِ الدُّنْيَا عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، وَضَمَانِ النَّصْرِ لَهُمْ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَمَا هَيَّأَ لَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ إِلَى تَعْيِيرِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَذَمَّةِ الَّتِي أَتَوْا بِهَا وَهِيَ صَدُّ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَصَدُّ الْهَدْيِ عَنْ أَنْ يُبْلَغَ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ، فَإِنَّهَا سُبَّةٌ لَهُمْ بَيْنَ الْعَرَبِ وَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِالْحَفَاوَةِ بِمَنْ يَعْتَمِرُونَ، وَهُمْ

يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَرَمِ الله زواره ومعظّميه، وَقَدْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ قَبُولُ كُلُّ زَائِرٍ لِلْكَعْبَةِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَدْيَانِ، فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي مَنْعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُمْ حَمَلَتْهُمْ عَلَيْهِ الْحَمِيَّةُ.

وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ الْمُفْتَتَحُ بِهِ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْله: وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ [الْفَتْح: ٢٢] الْآيَةَ. وَالْمَقْصُودُ بِالِافْتِتَاحِ بِضَمِيرِهِمْ هُنَا لِاسْتِرْعَاءِ السَّمْعِ لِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنَ الْخَبَرِ كَمَا إِذَا جَرَّهُ حَدِيثٌ عَنْ بَطَلٍ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْعَرَبِ ثُمَّ قَالَ قَائِل عَثْرَة هُوَ الْبَطن الْمُحَامِي.

وَالْمَقْصُودُ مِنَ الصِّلَةِ هُوَ جُمْلَةُ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَذِكْرُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِدْمَاجٌ لِلنِّدَاءِ عَلَيْهِمْ بِوَصْفِ الْكُفْرِ وَلِهَذَا الْإِدْمَاجِ نُكْتَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ أَنَّ وَصْفَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ صَارَ الْمَوْصُولُ فِي قُوَّةِ الْمُعَرَّفِ بِلَامِ الْجِنْسِ فَتُفِيدُ جُمْلَةُ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا قَصْرَ جِنْسِ الْكُفْرِ عَلَى هَذَا الضَّمِيرِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ لِكَمَالِهِمْ فِي الْكُفْرِ بِصَدِّهِمُ الْمُعْتَمِرِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَصَدِّ الْهَدْيِ عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ.

وَالْهَدْيُ: مَا يُهْدَى إِلَى الْكَعْبَةِ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَهُوَ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ وَلِذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ كَحُكْمِ الْمَصْدَرِ قَالَ تَعَالَى: وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [الْمَائِدَة: ٩٧] أَيِ الْأَنْعَامَ الْمَهْدِيَّةَ وَقَلَائِدَهَا وَهُوَ هُنَا الْجَمْعُ.

وَالْمَعْكُوفُ: اسْمُ مفعول عكفه، إِذْ أَلْزَمُهُ الْمُكْثُ فِي مَكَانٍ، يُقَالُ: عَكَفَهُ فَعَكَفَ فَيُسْتَعْمَلُ قَاصِرًا وَمُتَعَدِّيًا عَنِ ابْنِ سِيدَهْ وَغَيْرِهِ كَمَا يُقَالُ: رَجَعَهُ فَرَجَعَ