للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَبَرَهُ فَجَبَرَ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: لَا أَعْرِفُ عَكَفَ مُتَعَدِّيًا، وَتَأَوَّلَ صِيغَةَ الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

مَعْكُوفاً عَلَى أَنَّهَا لِتَضْمِينِ عَكَفَ مَعْنَى حَبَسَ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذَا الْحَالِ التَّشْنِيعُ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَدِّهِمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ بِأَنَّهُمْ صَدُّوا الْهَدَايَا أَنْ تَبْلُغَ مَحِلَّهَا حَيْثُ اضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَنْحَرُوا هَدَايَاهُمْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ فَقَدْ عَطَّلُوا بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ شَعِيرَةً مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، فَفِي ذِكْرِ الْحَالِ تَصْوِيرٌ لِهَيْئَةِ الْهَدَايَا وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ.

وَمَعْنَى صَدِّهِمُ الْهَدْيَ: أَنَّهُمْ صَدُّوا أَهْلَ الْهَدْيِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَنْحَرِ مِنْ مِنًى.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ: أَنَّهُمْ صَدُّوا الْهَدَايَا مُبَاشَرَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عَرَضُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ تَخْلِيَةَ مَنْ يَذْهَبُ بِهَدَايَاهُمْ إِلَى مَكَّةَ لِتُنْحَرَ بِهَا.

وَقَوْلُهُ: أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنَ الْهَدْيَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذُوفٍ وَهُوَ (عَنْ) ، أَيْ عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ.

وَالْمَحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ: مَحَلُّ الْحِلِّ مُشْتَقٌّ مِنْ فِعْلِ حَلَّ ضِدُّ حَرُمَ، أَيِ الْمَكَانُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ نَحْرُ الْهَدْيِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يجزىء غَيْرُهُ، وَذَلِكَ بِمَكَّةَ بِالْمَرْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتَمِرِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا أُحْصِرُوا أَمَرَهُمْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرُوا هَدْيَهُمْ فِي مَكَانِهِمْ إِذْ تَعَذَّرَ إِبْلَاغُهُ إِلَى مَكَّةَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَنَعُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ. وَلَمْ يَثْبُتْ فِي السُّنَّةِ أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِتَوَخِّي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِلنَّحْرِ مِنْ أَرْضِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ مِنْ سَمَاحَةِ الدِّينِ فَلَا طَائِلَ مِنْ وَرَاءِ الْخَوْضِ فِي اشْتِرَاطِ النَّحْرِ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ لِلْمُحْصَرِ.

وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

أَتْبَعَ النَّعْيَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ سُوءَ فِعْلِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالصَّدِّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَعْطِيلِ شَعَائِرِ اللَّهِ وَعْدَهُ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحٍ قَرِيبٍ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةٍ، بِمَا يَدْفَعُ غُرُورَ الْمُشْرِكِينَ بِقُوَّتِهِمْ، وَيُسْكِنُ تَطَلُّعَ الْمُسْلِمِينَ لِتَعْجِيلِ الْفَتْحِ، فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ كَفَّ أَيْدِيَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ مَعَ مَا قَرَّرَهُ آنِفًا مِنْ قَوْله: وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا