وَجُمْلَةُ: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ تَذْيِيلٌ لِلتَّمْثِيلِ، أَيْ هُمْ بَاءُوا بِالْخَيْبَةِ فِيمَا ابْتَغَوْا مِمَّا عَمِلُوا وَقَدْ حَفَّهُمُ الضَّلَالُ الشَّدِيدُ فِيمَا عَمِلُوا حَتَّى عَدِمُوا فَائِدَتَهُ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ فِي قُلُوبِهِمُ الْهُدَى حِينَ لَمْ يُوَفِّقْهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ جَبَلَهُمْ غَيْرَ قَابِلِينَ لِلْهُدَى فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ قَبُولَهُ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَا يَحُلُّ بِهَا شَيْءٌ مِنَ الْهُدَى.
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُتَصَرِّفٌ بِالْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ عَلَى حَسَبِ إِرَادَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَمَا
سَبَقَ مِنْ نِظَامِ تَدْبِيرِهِ.
وَهَذَا التَّمْثِيلُ صَالِحٌ لِاعْتِبَارِ التَّفْرِيقِ فِي تَشْبِيهِ أَجْزَاءِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِأَجْزَاءِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا فَالضَّلَالَاتُ تُشْبِهُ الظُّلُمَاتِ، وَالْأَعْمَالُ الَّتِي اقْتَحَمَهَا الْكَافِرُ لِقَصْدِ التَّقَرُّبِ بِهَا تُشْبِهُ الْبَحْرَ، وَمَا يُخَالِطُ أَعْمَالَهُ الْحَسَنَةَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْبَاطِلَةِ كَالْبَحَيرَةِ، وَالسَّائِبَةِ يُشْبِهُ الْمَوْجَ فِي تَخْلِيطِهِ الْعَمَلَ الْحَسَنَ وَتَخَلُّلِهِ فِيهِ وَهُوَ الْمَوْجُ الْأَوَّلُ. وَمَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْكُفْرِ كَالذَّبْحِ لِلْأَصْنَامِ يُشْبِهُ الْمَوْجَ الْغَامِرَ الْآتِي عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ بِالتَّخَلُّلِ وَالْإِفْسَادِ وَهُوَ الْمَوْجُ الثَّانِي، وَمَا يَحُفُّ اعْتِقَادَهُ مِنَ الْحَيْرَةِ فِي تَمْيِيزِ الْحَسَنِ مِنَ الْعَبَثِ وَمِنَ الْقَبِيحِ يُشْبِهُ السَّحَابَ الَّذِي يَغْشَى مَا بَقِيَ فِي السَّمَاءِ مِنْ بَصِيصِ أَنْوَارِ النُّجُومِ، وَتَطَلُّبُهُ الِانْتِفَاعَ مِنْ عَمَلِهِ يُشْبِهُ إِخْرَاجَ الْمَاخِرِ يَدَهُ لِإِصْلَاحِ أَمْرِ سَفِينَتِهِ أَوْ تَنَاوُلِ مَا يَحْتَاجُهُ فَلَا يَرَى يَدَهُ بَلْهَ الشَّيْءَ الَّذِي يُرِيد تنَاوله.
[٤١]
[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ٤١]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١)
أَعْقَبَ تَمْثِيلَ ضَلَالِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَكَيْفَ حَرَمَهُمُ اللَّهُ الْهُدَى فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ إِلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ [النُّور: ٣٩، ٤٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute