وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَافِرِينَ هُنَا مُشْرِكُو مَكَّةَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا فِي الْأَكْثَرِ مُوَالِينَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ اتِّخَاذِ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِمَّا يَبْعَثُ النَّاسَ عَلَى مَعْرِفَةِ جَزَاءِ هَذَا الْفِعْلِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَصْدِ التَّشْهِيرِ بِالْمُنَافِقِينَ وَالتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ، أَيْ أَنَّكُمْ إِنِ اسْتَمْرَرْتُمْ عَلَى مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ جَعَلْتُمْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا، أَيْ حُجَّةً وَاضِحَةً عَلَى فَسَادِ إِيمَانِكُمْ، فَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْمُنَافِقِينَ.
فَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى التَّحْذِيرِ وَالْإِنْذَارِ مَجَازًا مُرْسَلًا.
وَهَذَا السُّلْطَانُ هُوَ حُجَّةُ الرَّسُولِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْكُفْرِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى حُجَّةٍ عَلَيْهِمْ، أَوْ أُرِيدَ حُجَّةُ افْتِضَاحِهِمْ يَوْمَ الْحِسَابِ بِمُوَالَاةِ الْكَافرين، كَقَوْلِه: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النِّسَاء: ١٦٥] . وَمِنْ هُنَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْحُجَّةِ قَطْعَ حُجَّةِ مَنْ يَرْتَكِبُ هَذِهِ الْمُوَالَاةَ والإعذار إِلَيْهِ.
[١٤٥، ١٤٦]
[سُورَة النِّسَاء (٤) : الْآيَات ١٤٥ إِلَى ١٤٦]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦)
عَقَّبَ التَّعْرِيضَ بِالْمُنَافِقِينَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ كَمَا تَقَدَّمَ بِالتَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَشَدُّ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا. فَإِنَّ الِانْتِقَالَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ إِلَى ذِكْرِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْكَافرين أَوْلِيَاء معدودن مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّ لِانْتِقَالَاتِ جُمَلِ الْكَلَامِ مَعَانِيَ لَا يُفِيدُهَا الْكَلَامُ لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ تَرْتِيبِ الْخَوَاطِرِ فِي الْفِكْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute