للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ فِي سُورَةِ يُونُسَ [٣١] . وَهَذَا رَمْزٌ إِلَى ظُهُورِ الْهُدَى وَالْمُلْكِ فِي أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ، وَظُهُورِ ضَلَالِ الْكُفْرِ فِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَزَوَالِ الْمُلْكِ من خَلفهم يعد أَنْ كَانَ شِعَارَ أَسْلَافِهِمْ، بِقَرِينَةِ افْتِتَاحِ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ إِلَخْ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَخَلَفٌ: «الْمَيِّتِ» بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَيَعْقُوبُ:

بِسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَهُمَا وَجْهَانِ فِي لَفْظِ الْمَيِّتِ.

وَقَوْلُهُ: وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ هُوَ كَالتَّذْيِيلِ لِذَلِكَ كُلِّهِ.

وَالرِّزْقُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْإِنْسَانُ فَيُطْلَقُ عَلَى الطَّعَامِ وَالثِّمَارِ كَقَوْلِهِ: وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً [آل عمرَان: ٣٧] وَقَوْلِهِ: فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ [الْكَهْف: ١٩] ، وَيُطْلَقُ عَلَى أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ. وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ- ثُمَّ قَالَ- إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ [ص: ٥١- ٥٤] وَقَوْلِهِ: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ رِزْقًا: لِأَنَّ بِهَا يُعَوَّضُ مَا هُوَ رِزْقٌ، وَفِي هَذَا إِيمَاءٌ إِلَى بِشَارَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا أُخْبِئَ لَهُمْ مِنْ كُنُوزِ الْمَمَالِكِ الْفَارِسِيَّةِ والقيصرية وَغَيرهَا.

[٢٨]

[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٢٨]

لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨)

اسْتِئْنَافٌ عُقِّبَ بِهِ الْآيُ الْمُتَقَدِّمَةُ، الْمُتَضَمِّنَةُ عَدَاءَ الْمُشْرِكِينَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَحَسَدَ الْيَهُودِ لَهُمْ، وَتَوَلِّيَهُمْ عَنْهُ: مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ [آل عمرَان: ١١٦] إِلَى هُنَا.

فَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ هَذِهِ كَالنَّتِيجَةِ لِمَا تَقَدَّمَهَا:

نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ- بَعْدَ مَا بَيَّنَ لَهُمْ بَغْيَ الْمُخَالِفِينَ وَإِعْرَاضَهُمْ- أَنْ يَتَّخِذُوا الْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ اتِّخَاذَهُمْ أَوْلِيَاءَ- بَعْدَ أَنْ سَفَّهَ الْآخَرُونَ دِينَهُمْ وَسَفَّهُوا أَحْلَامَهُمْ فِي اتِّبَاعِهِ- يُعَدُّ ضَعْفًا فِي الدِّينِ وَتَصْوِيبًا لِلْمُعْتَدِينَ.