الْمُرَادِ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ. وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْخَيْرِ فِي تَصَرُّفِ اللَّهِ تَعَالَى اكْتِفَاءٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النَّحْل: ٨١] أَيْ وَالْبَرْدَ.
وَكَانَ الْخَيْرُ مُقْتَضًى بِالذَّاتِ أَصَالَةً وَالشَّرُّ مُقْتَضًى بِالْعَرَضِ قَالَ الْجَلَالُ الدِّوَانِيُّ فِي شَرْحِ دِيبَاجَةِ هَيَاكِلِ النُّورِ:
«وَخُصَّ الْخَيْرُ هُنَا لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَرَجِّي الْمُسْلِمِينَ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ
خَيْرَهُمْ شَرٌّ لِضِدِّهِمْ كَمَا قِيلَ:
مَصَائِبُ قوم عِنْد يَوْم فَوَائِدُ أَيِ «الْخَيْرُ مُقْتَضَى الذَّات والشرّ مقتضي بِالْعَرَضِ وَصَادِرٌ بِالتَّبَعِ لِمَا أَنَّ بَعْضَ مَا يَتَضَمَّنُ خَيْرَاتٍ كَثِيرَةً هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِشَرٍّ قَلِيلٍ، فَلَوْ تُرِكَتْ تِلْكَ الْخَيْرَاتُ الْكَثِيرَةُ لِذَلِكَ الشَّرِّ الْقَلِيلِ، لَصَارَ تَرْكُهَا شَرًّا كَثِيرًا، فَلَمَّا صَدَرَ ذَلِكَ الْخَيْرُ لَزِمَهُ حُصُولُ ذَلِكَ الشَّرِّ» .
وَحَقِيقَةُ «تُولِجُ» تُدْخِلُ وَهُوَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ لِتَعَاقُبِ ضَوْءِ النَّهَارِ وَظُلْمَةِ اللَّيْلِ، فَكَأَنَّ أَحَدَهُمَا يَدْخُلُ فِي الْآخَرِ، وَلِازْدِيَادِ مُدَّةِ النَّهَارِ عَلَى مُدَّةِ اللَّيْلِ وَعَكْسِهِ فِي الْأَيَّامِ وَالْفُصُولِ عَدَا أَيَّامِ الِاعْتِدَالِ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَحَظَاتٌ قَلِيلَةٌ ثُمَّ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا لَكِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُدْرَكُ فِي أَوَّلِهَا فَلَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْعُلَمَاءُ، وَفِي الظَّاهِرِ هِيَ يَوْمَانِ فِي كُلِّ نِصْفِ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: «كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْقُرْآنُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَلْفَاظٍ يَفْهَمُهَا الْعَوَامُّ وَأَلْفَاظٍ يَفْهَمُهَا الْخَوَاصُّ وَمَا يَفْهَمُهُ الْفَرِيقَانِ وَمِنْهُ هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنَّ الْإِيلَاجَ يَشْمَلُ الْأَيَّامَ الَّتِي لَا يَفْهَمُهَا إِلَّا الْخَوَاصُّ وَالْفُصُولَ الَّتِي يُدْرِكُهَا سَائِرُ الْعَوَامِّ» .
وَفِي هَذَا رَمْزٌ إِلَى مَا حَدَثَ فِي الْعَالَمِ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهَالَةِ وَالْإِشْرَاكِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّاسُ عَلَى دِينٍ صَحِيحٍ كَدِينِ مُوسَى، وَإِلَى مَا حَدَثَ بِظُهُورِ الْإِسْلَامِ مِنْ إِبْطَالِ الضَّلَالَاتِ، وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ بِقَوْلِهِ: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ، لِيَكُونَ الِانْتِهَاءُ بِقَوْلِهِ:
وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ، فَهُوَ نَظِيرُ التَّعْرِيضِ الَّذِي بَيَّنْتُهُ فِي قَوْلِهِ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ الْآيَةَ. وَالَّذِي دَلَّ عَلَى هَذَا الرَّمْزِ افْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ إِلَخْ.
وَإِخْرَاجُ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ كَخُرُوجِ الْحَيَوَانِ مِنَ الْمُضْغَةِ، وَمِنْ مُحِّ الْبَيْضَةِ. وَإِخْرَاجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ فِي عَكْسِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَسَيَجِيءُ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute