وَقَرَأَ الْجُمْهُور إِنْ يَكُنْ- بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ- نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَذَلِكَ الْأَصْلُ، لِمُرَاعَاةِ تَأْنِيثِ لَفْظِ مِائَةٍ. وَقَرَأَهَا الْبَاقُونَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، لِأَنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، فَيَجُوزُ فِي فِعْلِهِ الِاقْتِرَانُ بِتَاءِ التَّأْنِيث وَعَدَمه، لَا سِيمَا وَقَدْ وَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَهُ. وَالْفَصْلُ مُسَوِّغٌ لِإِجْرَاءِ الْفِعْلِ عَلَى صِيغَة التَّذْكِير.
[٦٦]
[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٦٦]
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)
هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِمُدَّةٍ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَذَلِكَ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ» . وَلَعَلَّهُ بَعْدَ نُزُولِ جَمِيعِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَلَعَلَّهَا وُضِعَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مُفْرَدَةً غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِآيَاتِ سُورَةٍ أُخْرَى، فَجُعِلَ لَهَا هَذَا الْمَوْضِعُ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِهَا لِتَكُونَ مُتَّصِلَةً بِالْآيَةِ الَّتِي نَسَخَتْ هِيَ حُكْمَهَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ عَيَّنَ زَمَنَ نُزُولِهَا. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَهِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا مَحْضًا لِأَنَّهَا آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.
والْآنَ اسْمُ ظَرْفٍ لِلزَّمَانِ الْحَاضِرِ. قِيلَ: أَصْلُهُ أَوَانٌ بِمَعْنَى زَمَانٍ، وَلَمَّا أُرِيدَ تَعْيِينُهُ لِلزَّمَانِ الْحَاضِرِ لَازَمَتْهُ لَامُ التَّعْرِيفِ بِمَعْنَى الْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ، فَصَارَ مَعَ اللَّامِ كَلِمَةً
وَاحِدَةً وَلَزِمَهُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ.
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفِرَّ مِنْهُمْ، وَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً» الْآيَةَ، فَعَبَّأَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَهَذَا حُكْمُ وُجُوبٍ نُسِخَ بِالتَّخْفِيفِ الْآتِي، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ إِنَّمَا كَانَ عَلَى جِهَةِ نَدْبِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ حُطَّ ذَلِكَ حِينَ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ إِلَى ثُبُوتِ الْوَاحِدِ لِلِاثْنَيْنِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. قُلْتُ: وَكَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَرْوِيُّ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ مُنَافٍ لِهَذَا الْقَوْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute