وَالدَّاخِرُ: الْخَاضِعُ الذَّلِيلُ، أَيْ دَاخِرُونَ لِعَظَمَةِ الله تَعَالَى.
[٤٩، ٥٠]
[سُورَة النَّحْل (١٦) : الْآيَات ٤٩ إِلَى ٥٠]
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)
لَمَّا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ السُّجُودُ الْقَسْرِيُّ ذُكِرَ بَعْدَهُ هُنَا سُجُودٌ آخَرُ بَعْضُهُ اخْتِيَارٌ وَفِي
بَعْضِهِ شِبْهُ اخْتِيَارٍ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى فِعْلِهِ مُؤْذِنٌ بالحصر، أَي سجد لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ إِذْ يَسْجُدُونَ لِلْأَصْنَامِ.
وَأُوثِرَتْ مَا الْمَوْصُولَةُ دُونَ (مَنْ) تَغْلِيبًا لِكَثْرَةِ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ.
ومِنْ دابَّةٍ بَيَانٌ لِ مَا فِي الْأَرْضِ، إِذِ الدَّابَّةُ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ غَيْرُ الْإِنْسَانِ.
وَمَعْنَى سُجُودِ الدَّوَابِّ لِلَّهِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِي تَفْكِيرِهَا الْإِلْهَامِيِّ الْتِذَاذَهَا بِوُجُودِهَا وَبِمَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْمَرَحِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَتَطْلُبُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهَا مِنَ الْمُتَغَلِّبِ وَمِنَ الْعَوَارِضِ بِالْمُدَافَعَةِ أَوْ بِالتَّوَقِّي، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمُلَائِمَاتِ. فَحَالُهَا بِذَلِكَ كَحَالِ شَاكِرٍ تَتَيَسَّرُ تِلْكَ الْمُلَائِمَاتُ لَهَا، وَإِنَّمَا تَيْسِيرُهَا لَهَا مِمَّنْ فَطَرَهَا. وَقَدْ تَصْحَبُ أَحْوَالَ تَنَعُّمِهَا حَرَكَاتٌ تُشْبِهُ إِيمَاءَ الشَّاكِرِ الْمُقَارِبِ لِلسُّجُودِ، وَلَعَلَّ مِنْ حَرَكَاتِهَا مَا لَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ لِخَفَائِهِ وَجَهْلِهِمْ بِأَوْقَاتِهِ، وَإِطْلَاقُ السُّجُودِ عَلَى هَذَا مَجَازٌ.
وَيَشْمَلُ مَا فِي السَّماواتِ مَخْلُوقَاتٍ غَيْرَ الْمَلَائِكَةِ، مِثْلَ الْأَرْوَاحِ، أَو يُرَاد بالسماوات الْأَجْوَاءُ فَيُرَادُ بِمَا فِيهَا الطُّيُورُ وَالْفَرَاشُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute