للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالتَّفَيُّؤُ: تَفَعُّلُ مِنْ فَاءَ الظِّلُّ فَيْئًا، أَيْ عَادَ بَعْدَ أَنْ أَزَالَهُ ضَوْءُ الشَّمْسِ. لَعَلَّ أَصْلَهُ مِنْ فَاءَ إِذَا رَجَعَ بَعْدَ مُغَادَرَةِ الْمَكَانِ، وَتَفَيُّؤُ الظِّلَالِ تَنَقُّلُهَا مِنْ جِهَاتٍ بَعْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ

زَوَالِهَا.

وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الظِّلَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [١٥] .

وَقَوْلُهُ: عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ، أَيْ عَنْ جِهَاتِ الْيَمِينِ وَجِهَاتِ الشَّمَائِلِ مَقْصُودٌ بِهِ إِيضَاحُ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ لِلظِّلِّ إِذْ يَكُونُ عَنْ يَمِينِ الشَّخْصِ مَرَّةً وَعَنْ شِمَالِهِ أُخْرَى، أَيْ إِذَا اسْتَقْبَلَ جِهَةً مَا ثُمَّ اسْتَدْبَرَهَا.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ بَلْ كَذَلِكَ الْأَمَامُ وَالْخَلْفُ، فَاخْتُصِرَ الْكَلَامُ.

وَأُفْرِدَ الْيَمِينُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِنْسُ الْجِهَةِ كَمَا يُقَالُ الْمَشْرِقُ. وَجَمْعُ الشَّمائِلِ مُرَادًا بِهِ تَعَدُّدُ جِنْسِ جِهَةِ الشَّمَالِ بِتَعَدُّدِ أَصْحَابِهَا، كَمَا قَالَ: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ [سُورَة المعارج: ٤٠] . فَالْمُخَالَفَةُ بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ تَفَنُّنٌ.

ومجيء فعل يَتَفَيَّؤُا بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ عَلَى صِيغَةِ الْإِفْرَادِ جَرَى عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الْفِعْلِ إِذَا كَانَ فَاعِلُهُ جَمْعًا غَيْرَ جَمْعِ تَصْحِيحٍ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ تَتَفَيَّأُ بِفَوْقِيَّتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ.

وَأُفْرِدَ الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ (ظِلَالُ) مُرَاعَاةً لِلَفْظِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى مُتَعَدِّدًا، وَبِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أُضِيفَ إِلَيْهِ الْجَمْعُ.

وسُجَّداً حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ ظِلالُهُ الْعَائِدِ إِلَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ قَيْدٌ لِلتَّفَيُّؤِ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ التَّفَيُّؤَ يُقَارِنُهُ السُّجُودُ مُقَارَنَةَ الْحُصُولِ ضِمْنَهُ. وَقَدْ مَضَى بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ.

وَجُمْلَةُ وَهُمْ داخِرُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي ظِلالُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ لِرُجُوعِهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ. وَجُمِعَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الْخَاصَّةِ بِالْعُقَلَاءِ تَغْلِيبًا لِأَنَّ فِي جُمْلَةِ الْخَلَائِقِ الْعُقَلَاءَ وَهُمُ الْجِنْسُ الْأَهَمُّ.