[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٤٥]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)
عَطْفٌ عَلَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ [يُونُس: ٢٨] عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ عَوْدًا إِلَى غَرَضٍ مِنَ الْكَلَامِ بَعْدَ تَفْصِيلِهِ وَتَفْرِيعِهِ وَذَمِّ الْمَسُوقِ إِلَيْهِمْ وَتَقْرِيعِهِمْ فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ فِيمَا مَضَى ذِكْرُ يَوْمِ الْحَشْرِ إِذْ هُوَ حِينُ افْتِضَاحِ ضَلَالِ الْمُشْرِكِينَ بِبَرَاءَةِ شُرَكَائِهِمْ مِنْهُمْ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالتَّقْرِيعِ عَلَى عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ مَعَ وُضُوحِ بَرَاهِينِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَإِذْ كَانَ الْقُرْآنُ قَدْ أَبْلَغَهُمْ مَا كَانَ يَعْصِمُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الذَّلِيلِ لَوِ اهْتَدَوْا بِهِ
أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالتَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ وَإِثْبَاتِ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ طَوْقِ الْبَشَرِ وَتَسْفِيهِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ وَتَفَنَّنُوا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَاسْتُوفِيَ الْغَرَضُ حَقَّهُ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ يَوْمِ الْحَشْرِ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ هُوَ حِينَ خَيْبَةِ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْبَعْثِ وَهُمُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَظَهَرَ افْتِضَاحُ شِرْكِهِمْ فِي يَوْمِ الْحَشْرِ فَكَانَ مِثْلَ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ.
وَانْتَصَبَ يَوْمَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِفِعْلِ خَسِرَ. وَالتَّقْدِيرُ: وَقَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ، فَارْتِبَاطُ الْكَلَامِ هَكَذَا: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ وَقَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ. وَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَهَمَّ تَذْكِيرُهُمْ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِثْبَاتُ وُقُوعِهِ مَعَ تَحْذِيرِهِمْ وَوَعِيدِهِمْ بِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ فِيهِ.
وَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْمَوْصُولِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ دُونَ قَدْ خَسِرُوا، لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ سَبَبَ خُسْرَانِهِمْ هُوَ تَكْذِيبُهُمْ بِلِقَاءِ اللَّهِ وَذَلِكَ التَّكْذِيبُ مِنْ آثَارِ الشِّرْكِ فَارْتَبَطَ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ جُمْلَةُ: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ [يُونُس: ٢٨- ٣٠] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نَحْشُرُهُمْ بِنُونِ الْعَظَمَةِ، وَقَرَأَهُ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، فَالضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً [يُونُس: ٤٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute