للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَوْلَى، هُنَا: الْوَلِيُّ وَالنَّاصِرُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ الَّذِينَ يَنْصُرُونَ دِينَهُ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَا يَنْصُرُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ، فَأَشْرَكُوا مَعَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ وَإِذَا كَانَ لَا يَنْصُرُهُمْ فَلَا يَجِدُونَ نَصِيرًا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنْصُرَهُمْ عَلَى اللَّهِ، فَنُفِيَ جِنْسُ الْمَوْلَى لَهُمْ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ مَعَانِي الْمَوْلَى. فَقَوْلُهُ: وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ أَفَادَ شَيْئَيْنِ: أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْصُرُهُمْ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْصُرُهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ الْمَوْلَى لِلْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [يُونُس: ٢٨- ٣٠] فَذَلِكَ الْمَوْلَى بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ مَعْنَى: الْمَالِكِ وَالرَّبِّ، فَلَا تعَارض بَينهمَا.

[١٢]

[سُورَة مُحَمَّد (٤٧) : آيَة ١٢]

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانَيٌّ جَوَابُ سُؤَالٍ يُخْطَرُ بِبَالِ سَامِعِ قَوْلِهِ: بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ [مُحَمَّد: ١١] عَنْ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ وَعَنْ رِزْقِ الْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا، فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ مِنْ وِلَايَتِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُعْطِيَهُمُ النَّعِيمَ الْخَالِدَ بَعْدَ النَّصْرِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ مَا أَعْطَاهُ الْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّهُمْ مَسْلُوبُونَ مِنْ فَهْمِ الْإِيمَانِ فَحَظُّهُمْ مِنَ الدُّنْيَا أَكْلٌ وَتَمَتُّعٌ كَحَظِّ الْأَنْعَامِ، وَعَاقِبَتُهُمْ فِي عَالَمِ الْخُلُودِ الْعَذَابُ، فَقَوْلُهُ: وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٦، ١٩٧] لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ.

وَهَذَا الِاسْتِئْنَافُ وَقَعَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ جُمْلَةِ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [مُحَمَّد: ١٠] وَجُمْلَةُ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ [مُحَمَّد: ١٣] الْآيَةَ.

وَالْمَجْرُورُ مِنْ قَوْلِهِ: كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ فِي مَحَلِّ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَأْكُلُونَ، أَوْ فِي مَحَلِّ الصِّفَةِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِ يَأْكُلُونَ لِبَيَانِ نَوْعِهِ.

وَالتَّمَتُّعُ: الِانْتِفَاعُ الْقَلِيلُ بِالْمَتَاعِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: مَتاعٌ قَلِيلٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٧] ، وَقَوْلِهِ: وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ