للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: كَذَّبَتْ إِلَخْ قَوْلَهُ: فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ [آل عمرَان: ١٨٨] ، فَالْمَقْصُودُ بِالتَّفْرِيعِ هُوَ قَوْلُهُ: بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَإِعَادَةُ تَحْسَبَنَّهُمْ تُفِيدُ التَّأْكِيد، وَعَلِيهِ ف الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ:

الْكَفَّارُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ كُلَّ [ق: ٢٤] فَهُوَ صَادِقٌ عَلَى جَمَاعَةِ الْكَفَّارِينَ فَضَمِيرُ النصب فِي فَأَلْقِياهُ بِمَنْزِلَةِ ضَمِيرِ جَمْعٍ، أَيْ فَأَلْقَيَاهُمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْمَوْصُولِ مُبْتَدَأً عَلَى اسْتِئْنَافِ الْكَلَامِ وَيُضَمَّنُ الْمَوْصُولُ مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ فِي وُجُودِ الْفَاءِ فِي خَبَرِهِ لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَهَذَا كَثِيرٌ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا تَأْكِيدُ الْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

[٢٧]

[سُورَة ق (٥٠) : آيَة ٢٧]

قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧)

حِكَايَةُ قَوْلِ الْقَرِينِ بِالْأُسْلُوبِ الْمُتَّبَعِ فِي حِكَايَةِ الْمُقَاوَلَاتِ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ أُسْلُوبُ

الْفَصْلِ دُونَ عَطْفِ فِعْلِ الْقَوْلِ عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ الْأُسْلُوبُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٠] ، تُشْعِرُ بِأَنَّ فِي الْمَقَامِ كَلَامًا مَطْوِيًّا هُوَ كَلَامُ صَاحِبِ الْقَرِينِ طُوِيَ لِلْإِيجَازِ، وَدَلِيلُهُ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُ الْقَرِينِ مِنْ نَفْيِ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَطْغَى صَاحِبَهُ إِذْ قَالَ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ ص صَرِيحًا بِقَوْلِهِ: هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ [ص: ٥٩- ٦١] . وَتَقْدِيرُ الْمَطْوِيِّ هُنَا: أَن الكفّار الْعَنِيدَ لَمَّا قَدِمَ إِلَى النَّارِ أَرَادَ التَّنَصُّلَ مِنْ كُفْرِهِ وَعِنَادِهِ وَأَلْقَى تَبِعَتَهُ عَلَى قَرِينِهِ الَّذِي كَانَ يُزَيِّنُ لَهُ الْكُفْرَ فَقَالَ: هَذَا الْقَرِينُ أَطْغَانِي، فَقَالَ قَرِينُهُ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.

فَالْقَرِينُ هَذَا هُوَ الْقَرِينُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: وَقالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ [ق:

٢٣] .