[سُورَة مَرْيَم (١٩) : الْآيَات ٨٣ إِلَى ٨٤]
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيُّ لِجَوَابِ سُؤَالٍ يَجِيشُ فِي نَفْسِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِيغَالِ الْكَافِرِينَ فِي الضَّلَالِ جَمَاعَتَهُمْ وآحَادَهُمْ، وَمَا جَرَّهُ إِلَيْهِمْ مِنْ سُوءِ الْمَصِيرِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مَرْيَم: ٦٦] ، وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ إِمْهَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ. وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً [مَرْيَم: ٨١] وَجُمْلَةِ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ [مَرْيَم: ٨٥] . وَأَيْضًا هِيَ كَالتَّذْيِيلِ لِتِلْكَ الْآيَاتِ وَالتَّقْرِيرِ لِمَضْمُونِهَا لِأَنَّهَا تَسْتَخْلِصُ أَحْوَالَهُمْ، وَتَتَضَمَّنُ تَسْلِيَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِمْهَالِهِمْ وَعَدَمِ تَعْجِيلِ عِقَابِهِمْ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَلَمْ تَرَ تَعْجِيبِيُّ، وَمَثَلُهُ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَجْعَلُونَ الِاسْتِفْهَامَ عَلَى نَفْيِ فِعْلٍ. وَالْمُرَادُ حُصُولُ ضِدِّهِ بِحَثِّ الْمُخَاطَبِ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِتَحْصِيلِهِ، أَيْ كَيْفَ لَمْ تَرَ ذَلِكَ، وَنُزِّلَ إِرْسَالُ الشَّيَاطِينَ على الْكَافرين لَا تضاح آثَارِهِ منزلَة الشَّيْء المرثي الْمُشَاهَدِ، فَوَقَعَ التَّعْجِيبُ مِنْ مَرْآهُ بِقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ ذَلِكَ.
وَالْأَزُّ: الْهَزُّ وَالِاسْتِفْزَازُ الْبَاطِنِيُّ، مَأْخُوذٌ مِنْ أَزِيزِ الْقِدْرِ إِذَا اشْتَدَّ غَلَيَانُهَا. شَبَّهَ اضْطِرَابَ اعْتِقَادِهِمْ وَتَنَاقُضَ أَقْوَالِهِمْ وَاخْتِلَاقَ أَكَاذِيبِهِمْ بِالْغَلَيَانِ فِي صُعُودٍ وَانْخِفَاضٍ وَفَرْقَعَةٍ وَسُكُونٍ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ فَتَأْكِيدُهُ بِالْمَصْدَرِ تَرْشِيحٌ.
وَإِرْسَالُ الشَّيَاطِينَ عَلَيْهِمْ تَسْخِيرُهُمْ لَهَا وَعَدَمُ انْتِفَاعِهِمْ بالإرشاد النّبوي المنقد مِنْ حَبَائِلِهَا، وَذَلِكَ لِكُفْرِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ اسْتِمَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute