للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَجْرَى عَلَى الْآلِهَةِ ضَمِيرَ الْعَاقِلِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ تَوَهَّمُوهُمْ عُقَلَاءَ مُدَبِّرِينَ.

وَالضَّمِيرَانِ فِي قَوْلِهِ: سَيَكْفُرُونَ ويَكُونُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا عَائِدَيْنِ إِلَى آلِهَةً، أَيْ سَيُنْكِرُ الْآلِهَةُ عِبَادَةَ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ، فَعَبَّرَ عَنِ الْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ بِالْكُفْرِ، وَسَتَكُونُ الْآلِهَةُ ذُلًّا ضِدَّ الْعِزِّ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ضَمِيرَ سَيَكْفُرُونَ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، أَيْ سَيَكْفُرُ الْمُشْرِكُونَ بِعِبَادَةِ الْآلِهَةِ فَيَكُونُ مُقَابِلَ قَوْلِهِ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً. وَفِيهِ تَمَامُ الْمُقَابَلَةِ، أَيْ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّفُوا جَعْلَهُمْ آلِهَةً لَهُمْ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ، فَالتَّعْبِيرُ بِفِعْلِ سَيَكْفُرُونَ يُرَجِّحُ هَذَا الْحَمْلَ لِأَنَّ الْكُفْرَ شَائِعٌ فِي الْإِنْكَارِ الِاعْتِقَادِيِّ لَا فِي مُطْلَقِ الْجُحُودِ، وَأَنَّ ضَمِيرَ يَكُونُونَ لِلْآلِهَةِ وَفِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ. وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ إِذْ كَانَ السِّيَاقُ يُرْجِعُ كُلًّا إِلَى مَا يُنَاسِبُهُ، كَقَوْلِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:

عُدْنَا وَلَوْلَا نَحْنُ أَحْدَقَ جَمْعُهُمْ ... بِالْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوا مَا جَمَّعُوا

أَيْ: وَأَحْرَزَ جَمْعُ الْمُشْرِكِينَ مَا جَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْغَنَائِمِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرًا سَيَكْفُرُونَ ويَكُونُونَ رَاجِعَيْنِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ. وَأَن حَرْفُ الِاسْتِقْبَالِ لِلْحُصُولِ قَرِيبًا، أَيْ سَيَكْفُرُ الْمُشْرِكُونَ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَيَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ وَيَكُونُونَ ضِدًّا عَلَى الْأَصْنَامِ يَهْدِمُونَ هَيَاكِلَهَا وَيَلْعَنُونَهَا، فَهُوَ بِشَارَةٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ دِينَهُ سَيَظْهَرُ عَلَى دِينِ الْكُفْرِ. وَفِي هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ طِبَاقٌ مَرَّتَيْنِ.

وَالضِّدُّ: اسْمُ مَصْدَرٍ، وَهُوَ خِلَافُ الشَّيْءِ فِي الْمَاهِيَّةِ أَوِ الْمُعَامَلَةِ. وَمِنَ الثَّانِي تَسْمِيَةُ الْعَدُوِّ ضِدًّا. وَلِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ لَزِمَ فِي حَالِ الْوَصْفِ بِهِ حَالَةً وَاحِدَةً بِحَيْثُ لَا يُطَابق موصوفه.