وَ (أَلا) حَرْفُ تَنْبِيهٍ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ. وَالْإِفْكُ: الْكَذِبُ أَيْ قَوْلُهُمْ هَذَا بَعْضٌ مِنْ أُكْذُوبَاتِهِمْ. وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِعَطْفِ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ مُؤَكَّدًا بِ (إِنَّ) وَاللَّامِ، أَيْ شَأْنُهُمُ الْكَذِبُ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِنْ بَاطِلِهِمْ، فَلَيْسَتِ الْجُمْلَةُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ: مِنْ إِفْكِهِمْ كَيْفَ وَهِي معطوفة.
[١٥٣- ١٥٧]
[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ١٥٣ إِلَى ١٥٧]
أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧)
عَوْدٌ إِلَى الِاسْتِفْتَاءِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ لِأَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا كَمَالَ الِاتِّصَالِ، فَالْمَعْنَى: وَقُلْ لَهُمْ: اصْطفى الْبَنَات.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَصْطَفَى بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ عَلَى أَنَّهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَأَمَّا هَمْزَةُ الْوَصْلِ الَّتِي فِي الْفِعْلِ فَمَحْذُوفَةٌ لِأَجْلِ الْوَصْلِ. وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ عَلَى أَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ مَحْذُوفَةٌ.
وَالْكَلَامُ ارْتِقَاءٌ فِي التَّجْهِيلِ، أَيْ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّهَ اتخذ ولدا فَلَمَّا ذَا اصْطَفَى الْبَنَاتِ
دُونَ الذُّكُورِ، أَيِ اخْتَارَ لِذَاتِهِ الْبَنَاتِ دُونَ الْبَنِينَ وَالْبَنُونَ أَفْضَلُ عِنْدَكُمْ؟
وَجُمْلَةُ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ فَإِنَّ إِنْكَارَ اصْطِفَاءِ الْبَنَاتِ يَقْتَضِي عَدَمَ الدَّلِيلِ فِي حُكْمِهِمْ ذَلِكَ، فَأَبْدَلَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ مِنْ إِنْكَارِ ادِّعَائِهِمُ اصْطِفَاءَ اللَّهِ الْبَنَاتِ لِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ: مَا لَكُمْ: مَا اسْتِفْهَامٌ عَنْ ذَاتٍ وَهِيَ مُبْتَدَأٌ ولَكُمْ خَبَرٌ.
وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ حَصَلَ لَكُمْ؟ وَهَذَا إِبْهَامٌ فَلِذَلِكَ كَانَتْ كَلِمَةُ «مَا لَكَ» وَنَحْوُهَا فِي الِاسْتِفْهَامِ يَجِبُ أَنْ يُتْلَى بِجُمْلَةِ حَالٍ تُبَيِّنُ الْفِعْلَ الْمُسْتَفْهَمَ عَنْهُ نَحْوَ: مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ [الصافات: ٩٢] وَنَحْوَ مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ [يُوسُفَ: ١١] وَقَدْ بُيِّنَتْ هُنَا بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute