للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَكْثَرُ فِي اسْتِعْمَالِ (أَيٍّ) إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى اسْمٍ مُؤَنَّثِ اللَّفْظِ أَنْ لَا تَلْحَقَهَا هَاءُ التَّأْنِيثِ اكْتِفَاءً بِتَأْنِيثِ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي لَيْسَتْ بِصِفَاتٍ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُذَكَّرِهَا وَمُؤَنَّثِهَا بِالْهَاءِ نَحْوَ حِمَارٍ فَلَا يُقَالُ للمؤنث حمارة. و (أيّ) اسْمٌ وَيَزِيدُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْإِبْهَامِ فَلَا يُفَسِّرُهُ إِلَّا الْمُضَافُ إِلَيْهِ فَلذَلِك قَالَ هناأَيَّ آياتِ اللَّهِ

دُونَ: فَأَيَّةَ آيَاتِ اللَّهِ، لِأَنَّ إِلْحَاقَ عَلامَة التَّأْنِيث ب (أَي) فِي مِثْلِ هَذَا قَلِيلٌ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ تَأْنِيثُ (أَيٍّ) فِي قَوْلِ الْكُمَيْتِ:

بِأَيِّ كِتَابٍ أَمْ بِأَيَّةِ سُنَّةٍ ... تَرَى حُبَّهُمْ عَارًا عليّ وتحسب

[٨٢- ٨٣]

[سُورَة غَافِر (٤٠) : الْآيَات ٨٢ إِلَى ٨٣]

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣)

تَفْرِيعُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ عَقِبَ قَوْلِهِ: يُرِيكُمْ آياتِهِ

[غَافِر: ٨١] ، يَقْتَضِي أَنَّهُ مُسَاوِقٌ لِلتَّفْرِيعِ الَّذِي قبله وهوأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ

[غَافِر: ٨١] فَيَقْتَضِي أَنَّ السَّيْرَ الْمُسْتَفْهَمَ عَنْهُ بِالْإِنْكَارِ عَلَى تَرْكِهِ هُوَ سَيْرٌ تَحْصُلُ فِيهِ آيَاتٌ وَدَلَائِلُ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَكِلَا التَّفْرِيعَيْنِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [غَافِر: ٨٠] ، فَذَلِكَ هُوَ مُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ إِلَى التَّذْكِيرِ بِعِبْرَةِ آثَارِ الْأُمَمِ الَّتِي اسْتَأْصَلَهَا اللَّهُ

تَعَالَى لَمَّا كَذَّبَتْ رُسُلَهُ وَجَحَدَتْ آيَاتِهِ وَنِعَمَهُ.

وَحَصَلَ بِذَلِكَ تَكْرِيرُ الْإِنْكَارِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً [غَافِر: ٢١] الْآيَةَ، فَكَانَ مَا تَقَدَّمَ انْتِقَالًا عَقِبَ آيَاتِ الْإِنْذَارِ وَالتَّهْدِيدِ، وَكَانَ هَذَا انْتِقَالًا عَقِبَ آيَاتِ الِامْتِنَانِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَفِي كِلَا الِانْتِقَالَيْنِ تَذْكِيرٌ وَتَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ. وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَزَعُهُمُ النِّعَمُ عَنْ كُفْرَانِ مُسْدِيهَا كَشَأْنِ أَهْلِ النُّفُوسِ الْكَرِيمَةِ فَلْيَكُونُوا مِمَّنْ يَرْدَعُهُمُ الْخَوْفُ مِنَ الْبَطْشِ كَشَأْنِ أَهْلِ النُّفُوسِ اللَّئِيمَةِ فَلْيَضَعُوا أَنْفُسَهُمْ حَيْثُ يَخْتَارُونَ مِنْ إِحْدَى الْخُطَّتَيْنِ.