للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالشُّكْرِ، فَنَبَّهَ هُنَا عَلَى أَنَّ فِي تِلْكَ الْمِنَنِ آيَاتٍ دَالَّةً عَلَى مَا يَجِبُ لِلَّهِ مِنَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ.

وَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: يُرِيكُمْ آياتِهِ

مُفِيدًا مُفَادَ التَّذْيِيلِ لِمَا فِي قَوْله: اتِهِ

مِنَ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِالْإِضَافَةِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، أَيْ يُرِيكُمْ آيَاتِهِ فِي النِّعَمِ الْمَذْكُورَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَوْحِيدِهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ وَنَبْذِ الْمُكَابَرَةِ فِيمَا يَأْتُونَهُمْ بِهِ مِنْ آيَاتِ صِدْقِهِمْ.

وَقَدْ جِيءَ فِي جَانِبِ إِرَاءَةِ الْآيَاتِ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّجَدُّدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كُلَّمَا انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنَ النِّعَمِ عَلِمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِهَا وَقُدْرَتِهِ

وَحِكْمَتِهِ. وَالْإِرَاءَةُ هُنَا بَصَرِيَّةٌ، عُبِّرَ بِهَا عَنِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ اللَّهِ إِذْ كَانَ طَرِيقُ ذَلِكَ الْعِلْمِ هُوَ مُشَاهَدَةُ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ فَمِنْ تِلْكَ الْمُشَاهَدَةِ يَنْتَقِلُ الْعَقْلُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ دَلَالَةَ وُجُودِ الْخَالِقِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ بُرْهَانِيَّةٌ تَنْتَهِي إِلَى الْيَقِينِ وَالضَّرُورَةِ.

وَإِضَافَةُ الْآيَاتِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِزِيَادَةِ التَّنْوِيهِ بِهَا، وَالْإِرْشَادِ إِلَى إِجَادَةِ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ فِي دَلَائِلِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهَا جَائِيَةً مِنْ لَدُنِ اللَّهِ وَكَوْنُ إِضَافَتِهَا مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْفَاعِلِ، فَذَلِكَ أَمْرٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ إِسْنَاد فعل رِيكُمْ

إِلَى ضَمِيرِهِ تَعَالَى. وَفُرِّعَ عَلَى إِرَاءَةِ الْآيَاتِ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ إِنْكَارِهِمْ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْآيَات.

و (أيّ) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ يُطْلَبُ بِهِ تَمْيِيزُ شَيْءٍ عَنْ مُشَارِكِهِ فِيمَا يُضَافُ إِلَيْهِ (أَيٌّ) ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي إِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُمْكِنُ أَنْ يُنْكَرَ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْآيَاتِ فَيُفِيدُ أَنَّ جَمِيعَ الْآيَاتِ صَالِحٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ لَا مَسَاغَ لِادِّعَاءِ خَفَائِهِ وَأَنَّهُمْ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي عَدَمِ الِاسْتِفَادَةِ مِنْ إِحْدَى الْآيَاتِ.