وَوَقَعَ قَوْلُهُ: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فِي مَوْقِعِ التَّصْرِيحِ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ فِي
قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْأَطْفَالَ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ تَغَيَّرَ حُكْمُهُمْ فِي الِاسْتِئْذَانِ إِلَى حُكْمِ اسْتِئْذَانِ الرِّجَالِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ [النُّور: ٢٧] الْآيَاتِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَهُمْ كَانُوا رِجَالًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أُولَئِكَ الْأَطْفَالُ مَبْلَغَ الرِّجَالِ.
وَقَوْلُهُ: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لَهُ بِالتَّكْرِيرِ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ وَالِامْتِنَانِ. وَإِنَّمَا أُضِيفَتِ الْآيَاتُ هُنَا لضمير الْجَلالَة تفننا وَلِتَقْوِيَةِ تَأْكِيدِ مَعْنَى كَمَالِ التَّبْيِينِ الْحَاصِلِ مِنْ قَوْلِهِ: كَذلِكَ. وَتَأْكِيدُ مَعْنَى الْوَصْفَيْنِ «الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» . أَيْ هِيَ آيَاتٌ مِنْ لَدُنْ مَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ وَمِنْ تِلْكَ صِفَات بَيَانه.
[٦٠]
[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ٦٠]
وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠)
هَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ: عَلى عَوْراتِ النِّساءِ [النُّور: ٣١] .
وَمُنَاسَبَةُ هَذَا التَّخْصِيصِ هُنَا أَنَّهُ وَقَعَ بعد فرض الاستيذان فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يَضَعُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهَا ثِيَابَهُمْ عَنْ أَجْسَادِهِمْ، فَعَطَفَ الْكَلَامَ إِلَى نَوْعٍ مِنْ وَضْعِ الثِّيَابِ عَنْ لَابِسِهَا وَهُوَ وَضْعُ النِّسَاءِ الْقَوَاعِدِ بَعْضَ ثِيَابِهِنَّ عَنْهُنَّ فَاسْتُثْنِيَ مِنْ عُمُومِ النِّسَاءِ النِّسَاءُ الْمُتَقَدِّمَاتُ فِي السِّنِّ بِحَيْثُ بَلَغْنَ إِبَّانَ الْإِيَاسِ مِنَ الْمَحِيضِ فَرَخَّصَ لَهُنَّ أَنْ لَا يَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ، وَأَنْ لَا يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ. فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ:
الثِّيَابُ الْجِلْبَابُ، أَيْ الرِّدَاءُ وَالْمُقَنَّعَةُ الَّتِي فَوْقَ الْخِمَارِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَجُوزُ لَهُنَّ وَضْعُ الْخِمَارِ أَيْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute