للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ مُقَابِلٌ لِلتَّمْثِيلِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ.

وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تَذْيِيلٌ أُرِيدَ بِهِ حَثُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَدَمِ التَّعَرُّضِ بِالسُّوءِ لِلَّذِينَ يُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَعَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِمْ لِمَا فَرَطَ مِنْهُمْ، فَالْمَعْنَى اغْفِرُوا لَهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُمْ وَهُوَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أَوِ اقْتَدُوا بِفِعْلِ اللَّهِ إِذْ غَفَرَ لَهُمْ مَا فَرَطَ مِنْهُم كَمَا تعلمُونَ فَكُونُوا أَنْتُمْ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ فِي الْإِغْضَاءِ عمّا مضى.

[٦]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٦]

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: فَإِنْ تابُوا [التَّوْبَة: ٥] لِتَفْصِيلِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ، أَوْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التَّوْبَة: ٥] لِتَخْصِيصِ عُمُومِهِ، أَيْ إِلَّا مُشْرِكًا اسْتَجَارَكَ لِمَصْلَحَةٍ لِلسِّفَارَةِ عَنْ قَوْمِهِ أَوْ لِمَعْرِفَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. وَصِيغَ الْكَلَامُ بِطَرِيقَةِ الشَّرْطِ لِتَأْكِيدِ حُكْمِ الْجَوَابِ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أنّ الشَّأْن أَنْ تَقَعَ الرَّغْبَةُ فِي الْجِوَارِ مِنْ جَانِبِ الْمُشْرِكِينَ.

وَجِيءَ بِحِرَفِ إِنْ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ يَكُونَ شَرْطُهَا نَادِرَ الْوُقُوعِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَرْضِيٌّ لِكَيْلَا يَزْعُمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ لِقَاءِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَّخِذُوهُ عُذْرًا

لِلِاسْتِمْرَارِ عَلَى الشِّرْكِ إِذَا غَزَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ.

وَوَقَعَ فِي «تَفْسِيرِ الْفَخْرِ» أَنَّهُ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ الرَّسُولَ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذَا الْأَجَلِ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى فَهَلْ نُقْتَلُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ

. أَيْ فَأَمِّنْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ، وَهَذَا لَا يُعَارِضُ مَا رَأَيْنَاهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ إِلَخْ، شَرْطٌ فَرْضِيٌّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَقَالَةَ هَذَا الرَّجُلِ وَقَعَتْ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَرْوِيَّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ.

وَجِيءَ بِلَفْظِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ لَفْظِ مُشْرِكٍ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى عُمُومِ الْجِنْسِ، لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ مِثْلُهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ- إِذَا لَمْ تُبْنَ عَلَى الْفَتْحِ احْتَمَلَتْ إِرَادَةَ