للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

هَذَا غَرَضٌ لَهُ مَزِيدُ اتِّصَالٍ بِالْقُرْآنِ وَلَهُ اتِّصَالٌ مَتِينٌ بِالتَّفْسِيرِ لِأَنَّ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ، وَمُنَاسِبَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فَيُغْنِي الْمُفَسِّرَ عَنْ إِعَادَتِهِ.

مَعْلُومٌ لَك أَن مَوضِع عِلْمِ التَّفْسِيرِ هُوَ الْقُرْآنُ لِتِبْيَانِ مَعَانِيهِ وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ إِرْشَادٍ وَهُدًى وَآدَابٍ وَإِصْلَاحِ حَالِ الْأُمَّةِ فِي جَمَاعَتِهَا وَفِي مُعَامَلَتِهَا مَعَ الْأُمَمِ الَّتِي تُخَالِطُهَا بِفَهْمِ دَلَالَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْبَلَاغِيَّةِ، فَالْقُرْآنُ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ تَعَالَى كَلَامًا عَرَبِيًّا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ عَلَى أَنْ يُبَلِّغَهُ الرَّسُولُ إِلَى الْأُمَّةِ بِاللَّفْظِ الَّذِي أُوحِيَ بِهِ إِلَيْهِ لِلْعَمَلِ بِهِ وَلِقِرَاءَةِ مَا يَتَيَسَّرُ لَهُمْ أَنْ يَقْرَأُوهُ مِنْهُ فِي صَلَوَاتِهِمْ وَجَعَلَ قِرَاءَتَهُ عِبَادَةً.

وَجَعَلَهُ كَذَلِكَ آيَةً عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ فِي دَعْوَاهُ الرِّسَالَةَ عَنِ اللَّهِ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً بِأَنْ تَحَدَّى مُنْكِرِيهِ وَالْمُتَرَدِّدِينَ فِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَهُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِهِ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ مُعَارَضَتَهُ، وَدَعَاهُمْ إِلَيْهَا فَلَمْ يَفْعَلُوا. دَعَاهُمْ أَوَّلَ الْأَمْرِ إِلَى الْإِتْيَانِ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فَقَالَ:

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [هُودٍ: ١٣، ١٤] . ثُمَّ اسْتَنْزَلَهُمْ إِلَى أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يُونُسَ: ٣٨، ٣٩] . ثُمَّ جَاءَ بِأَصْرَحَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْذَرَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِآتِينَ بِذَلِكَ فَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٣، ٢٤] : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الْآيَةَ. وَقَالَ:

وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [يُونُس: ٢٠] أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٥١] .