الْخَيْرِ مِنَ الْعَمَلِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٩] ، وَفِي قَوْلِهِ: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ فِي سُورَة الْبَقَرَة [١٦] .
[١٧٩]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٧٩]
وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا [الْأَعْرَاف: ١٧٥] ، وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ صَاحِبَ الْقِصَّةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا انْتَقَلَ مِنْ صُورَةِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَهُ خَلَقَهُ لِيَكُونَ مِنْ أَهْلِ جَهَنَّم، مَعَ مَالهَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لِلتَّذْيِيلِ الَّذِي خُتِمَتْ بِهِ الْقِصَّةُ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي [الْأَعْرَاف: ١٧٨] الْآيَةَ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِلَامِ الْقَسَمِ وَبِقَدْ لِقَصْدِ تَحْقِيقِهِ لِأَنَّ غَرَابَتَهُ تُنْزِلُ سَامِعَهُ خَالِيَ الذِّهْنِ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَرَدِّدِ فِي تَأْوِيلِهِ، وَلِأَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُمْ قَدْ وُصِفُوا بِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِها- إِلَى قَوْلِهِ- بَلْ هُمْ أَضَلُّ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ أَنَّهُمْ فِي ضَلَالٍ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وَكَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ أَحْلَامٍ وَأَفْهَامٍ، وَلِذَلِكَ قَالُوا
للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْرِضِ التَّهَكُّمِ قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ [فصلت:
٥] .
وَالذَّرْءُ الْخَلْقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٣٦] .
وَاللَّامُ فِي لِجَهَنَّمَ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ خَلَقْنَا كَثِيرًا لِأَجْلِ جَهَنَّمَ.
وَجَهَنَّمُ مُسْتَعْمَلَةٌ هُنَا فِي الْأَفْعَالِ الْمُوجِبَةِ لَهَا بِعَلَاقَةِ الْمُسَبِّبِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ خُلِقُوا لِأَعْمَالِ الضَّلَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْكَوْنِ فِي جَهَنَّمَ، وَلَمْ يُخْلَقُوا لِأَجْلِ جَهَنَّمَ، لِأَنَّ جَهَنَّمَ لَا يُقْصَدُ إِيجَادُ خَلْقٍ لِتَعْمِيرِهَا، وَلَيْسَتِ اللَّامُ لَامَ الْعَاقِبَةِ لِعَدَمِ انْطِبَاقِ حَقِيقَتِهَا عَلَيْهَا، وَفِي «الْكَشَّافِ» جَعَلَهُمْ لِإِغْرَاقِهِمْ فِي الْكُفْرِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَأْتِي مِنْهُمْ إِلَّا أَفْعَالُ أَهْلِ النَّارِ، مَخْلُوقِينَ لِلنَّارِ دَلَالَةً عَلَى تَمَكُّنِهِمْ فِيمَا يُؤَهِّلُهُمْ لدُخُول النَّار اه، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute