للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مُنْزَلًا- بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ- وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ (أَنْزَلَهُ) عَلَى حَذْفِ الْمَجْرُورِ، أَيْ مُنْزَلًا فِيهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، أَيْ إِنْزَالًا مُبَارَكًا. وَالْمَعْنَيَانِ

مُتَلَازِمَانِ. وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَهُوَ اسْمٌ لمَكَان النُّزُول.

[٣٠]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٣٠]

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠)

لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ الْعَظِيمَةَ أَعْقَبَهَا بِالتَّنْبِيهِ إِلَى مَوْضِعِ الْعِبْرَةِ مِنْهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَأَتَى بِهَذَا الِاسْتِئْنَافِ لِذَلِكَ.

وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قِصَّةِ نُوحٍ مَعَ قَوْمِهِ وَمَا فِيهَا. وَالْآيَاتُ: الدَّلَالَاتُ، أَيْ لَآيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا هِيَ دَلَائِلُ عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ نُوحٍ وَهِيَ إِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَتَصْدِيقُ رِسَالَتِهِ وَإِهْلَاكُ مُكَذِّبِيهِ، وَمِنْهَا آيَاتٌ لِأَمْثَالِ قَوْمِ نُوحٍ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ لِرُسُلِهِمْ، وَمِنْهَا آيَاتٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِحْدَاثِ الطُّوفَانِ وَإِنْزَالِ مَنْ فِي السَّفِينَةِ مَنْزِلًا مُبَارَكًا، وَمِنْهَا آيَاتٌ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ إِذْ قَدَّرَ لِتَطْهِيرِ الْأَرْضِ مِنَ الشِّرْكِ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِيصَالِ الْعَامِّ لِأَهْلِهِ. وَإِذْ قَدَّرَ لِإِبْقَاءِ الْأَنْوَاعِ مِثْلَ هَذَا الصُّنْعِ الَّذِي أَنْجَى بِهِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ زَوْجَيْنِ لِيُعَادَ التَّنَاسُلُ.

وَعُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ جُمْلَةُ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ لِأَنَّ مَضْمُونَ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ يُفِيدُ مَعْنَى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لِبَلْوَى، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَابْتِلَاءٍ وَكُنَّا مُبْتَلِينَ، أَيْ وَشَأْنُنَا ابْتِلَاءُ أَوْلِيَائِنَا. فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ مِنْ آثَارِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ لِتَرْتَاضَ بِهِ نُفُوسُ أَوْلِيَائِهِ وَتُظْهِرَ مُغَالَبَتَهَا لِلدَّوَاعِي الشَّيْطَانِيَّةِ فَتَحْمَدُ عَوَاقِبَ الْبَلْوَى، وَلِتَتَخَبَّطَ نُفُوسُ الْمُعَانِدِينَ وَيَنْزَوِي بَعْضُ شَرِّهَا زَمَانًا.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الطُّوفَانِ مِنْ بَعْدِ بَعْثَةِ نُوحٍ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ وَأَذَاهُمْ إِيَّاهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ إِنَّمَا كَانَ ابْتِلَاءً مِنَ اللَّهِ لِحِكْمَتِهِ تَعَالَى لِيُمَيِّزَ