للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةٌ فِي الصُّلْحِ لِانْتِفَاعٍ يُجْلَبُ بِهِ أَوْ ضُرٍّ يَنْدَفِعُ بِسَبَبِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ إِذَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَأَنْ يُجِيبُوا إِذَا دُعُوا إِلَيْهِ. قَدْ صَالَحَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ، وَوَادَعَ الضُّمَرِيَّ، وَصَالَحَ أَكْيَدَ رَدُومَةَ، وَأَهْلَ نَجْرَانَ، وَهَادَنَ قُرَيْشًا لِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ حَتَّى نَقَضُوا عَهْدَهُ» .

أَمَّا مَا هَمَّ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُصَالَحَةِ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَمَنْ مَعَهُ، عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ نِصْفَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ فَذَلِكَ قَدْ عَدَلَ عَنْهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فِي جَمَاعَةِ الْأَنْصَارِ: لَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ.

فَهَذَا الْأَمْرُ بِقَبُولِ الْمُهَادَنَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اقْتَضَاهُ حَالُ الْمُسْلِمِينَ وَحَاجَتُهُمْ إِلَى اسْتِجْمَامِ أُمُورِهِمْ وَتَجْدِيدِ قُوَّتِهِمْ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، بِالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمُ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، فِي آيَاتِ السَّيْفِ. قَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: نَسَخَتْ بَرَاءَةٌ كُلَّ مُوَاعَدَةٍ وَبَقِيَ حُكْمُ التَّخْيِيرِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ

عَدَا مُشْرِكِي الْعَرَبِ عَلَى حَسَبِ مصلحَة الْمُسلمين.

[٦٢، ٦٣]

[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : الْآيَات ٦٢ إِلَى ٦٣]

وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣)

لَمَّا كَانَ طَلَبُ السَّلْمِ وَالْهُدْنَةِ مِنَ الْعَدُوِّ قَدْ يَكُونُ خَدِيعَةً حَرْبِيَّةً، لِيُغْرُوا الْمُسْلِمِينَ بِالْمُصَالَحَةِ ثُمَّ يَأْخُذُوهُمْ عَلَى غِرَّةٍ، أَيْقَظَ اللَّهُ رَسُولَهُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ الْأَعْدَاءَ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِمْ، وَيَحْمِلَهُمْ عَلَى الصِّدْقِ، لِأَنَّهُ الْخُلُقُ الْإِسْلَامِيُّ، وَشَأْنُ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ، وَلَا تَكُونُ الْخَدِيعَةُ بِمِثْلِ نَكْثِ الْعَهْدِ، فَإِذَا بَعَثَ الْعَدُوَّ كُفْرُهُمْ عَلَى ارْتِكَابِ مِثْلِ هَذَا التَّسَفُّلِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ، لِلْوَفِيِّ بِعَهْدِهِ، أَنْ يَقِيَهُ شَرَّ خِيَانَةِ الْخَائِنِينَ. وَهَذَا