الْأَصْلُ، وَهُوَ أَخْذُ النَّاسِ بِظَوَاهِرِهِمْ، شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ دِينِ الْإِسْلَامِ قَالَ تَعَالَى: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التَّوْبَة: ٤]
وَفِي الْحَدِيثِ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ، مِنْهَا: وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ. وَمِنْ أَحْكَام الْجِهَاد عَن الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَخْفِرَ لِلْعَدُوِّ بِعَهْدٍ
. وَالْمَعْنَى: إِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ مِنْ إِظْهَارِ مَيْلِهِمْ إِلَى الْمُسَالَمَةِ خَدِيعَةً فَإِنَّ اللَّهَ كَافِيكَ شَرَّهُمْ. وَلَيْسَ هَذَا هُوَ مَقَامَ نَبْذِ الْعَهْدِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ [الْأَنْفَال: ٥٨] فَإِنَّ ذَلِكَ مَقَامُ ظُهُورِ أَمَارَاتِ الْخِيَانَةِ مِنَ الْعَدُوِّ، وَهَذَا مَقَامُ إِضْمَارِهِمُ الْغَدْرَ دُونَ أَمَارَةٍ عَلَى مَا أَضْمَرُوهُ.
فَجُمْلَةُ: فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ دَلَّتْ عَلَى تَكَفُّلِ كِفَايَتِهِ، وَقَدْ أُرِيدَ مِنْهُ أَيْضًا الْكِنَايَةُ عَنْ عَدَمِ مُعَامَلَتِهِمْ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ، وَأَنْ لَا يَتَوَجَّسَ مِنْهُ خِيفَةً، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ.
وَالْخَدِيعَةُ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُخادِعُونَ اللَّهَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٩] .
«وَحسب» مَعْنَاهُ كَافٍ وَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ حَاسِبُكَ، أَيْ كَافِيكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٧٣] .
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ (إِنَّ) مُرَاعًى فِيهِ تَأْكِيدُ مَعْنَاهُ الْكِنَائِيِّ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ الصَّرِيحَ مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ.
وَجعل حَسْبَكَ مُسْندًا إِلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ وَصْفٌ، وَشَأْنُ الْإِسْنَادِ أَنْ يَكُونَ لِلذَّاتِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الَّذِي يَخْطُرُ بِالْبَالِ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ هُوَ طَلَبُ مَنْ يَكْفِيهِ.
وَجُمْلَةُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ مَسَاقَ الِاسْتِدْلَالِ: عَلَى أَنَّهُ حَسْبُهُ، وَعَلَى الْمَعْنَى التَّعْرِيضِيِّ وَهُوَ عَدَمُ التَّحَرُّجِ مِنِ احْتِمَالِ قَصْدِهِمُ الْخِيَانَةَ وَالتَّوَجُّسِ مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ خِيفَةً، وَالْمَعْنَى: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَرَكَ مِنْ قَبْلُ وَقَدْ كُنْتَ يَوْمَئِذٍ أَضْعَفَ مِنْكَ الْيَوْمَ، فَنَصَرَكَ عَلَى الْعَدُوِّ وَهُوَ مُجَاهِرٌ بِعُدْوَانِهِ، فَنَصْرُهُ إِيَّاكَ عَلَيْهِمْ مَعَ مُخَاتَلَتِهِمْ، وَمَعَ كَوْنِكَ فِي قُوَّةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَعَكَ، أَوْلَى وَأَقْرَبُ.
وَتَعْدِيَةُ فِعْلِ يَخْدَعُوكَ إِلَى ضَمِيرِ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَلِيَّ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَقْصُودُ: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ، وَقَدْ