للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأُجِيبُوا بِقَوْلِ الرُّسُلِ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [إِبْرَاهِيم: ١١] .

[٢]

[سُورَة فاطر (٣٥) : آيَة ٢]

مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)

هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ تَصْدِيرِ السُّورَةِ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فاطر: ١] ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَخْ. وَالتَّقْدِيرُ: وَفَاتِحِ الرَّحْمَةِ لِلنَّاسِ وَمُمْسِكِهَا عَنْهُمْ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إِمْسَاكِ مَا فَتَحَهُ وَلَا عَلَى فَتْحِ مَا أَمْسَكَهُ.

وَمَا شَرْطِيَّةٌ، أَيِ اسْمٌ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ. وَأَصْلُهَا اسْمٌ مَوْصُولٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الشَّرْطِ. فَانْقَلَبَتْ صِلَتُهُ إِلَى جُمْلَةٍ شَرْطِيَّةٍ وَانْقَلَبَتْ جُمْلَةُ الْخَبَرِ جَوَابًا وَاقْتَرَنَتْ بِالْفَاءِ لِذَلِكَ، فَأَصْلُ مَا الشَّرْطِيَّةِ هُوَ الْمَوْصُولَةُ. وَمَحَلُّ مَا الِابْتِدَاءُ وَجَوَابُ الشَّرْط أغْنى عَن الْخَبَرِ.

ومِنْ رَحْمَةٍ بَيَانٌ لِإِبْهَامِ مَا وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ مَنْصُوبٌ.

وَالْفَتْح: تَمْثِيلِيَّةٌ لِإِعْطَاءِ الرَّحْمَةِ إِذْ هِيَ مِنَ النَّفَائِسِ الَّتِي تُشْبِهُ الْمُدَّخَرَاتِ الْمُتَنَافَسِ فِيهَا فَكَانَتْ حَالَةُ إِعْطَاءِ اللَّهِ الرَّحْمَةَ شَبِيهَةً بِحَالَةِ فَتْحِ الْخَزَائِنِ لِلْعَطَاءِ، فَأُشِيرَ إِلَى هَذَا التَّمْثِيلِ بِفِعْلِ الْفَتْحِ، وَبَيَانُهُ بِقَوْلِهِ: مِنْ رَحْمَةٍ قَرِينَةُ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ.

وَالْإِمْسَاكُ حَقِيقَتُهُ: أَخْذُ الشَّيْءِ بِالْيَدِ مَعَ الشَّدِّ عَلَيْهِ بِهَا لِئَلَّا يَسْقُطَ أَوْ يَنْفَلِتَ، وَهُوَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، أَوْ هُوَ هُنَا مَجَازٌ عَنِ الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ وَلِذَلِكَ قُوبِلَ بِهِ الْفَتْحُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَمْسَكَ بِكَذَا، فَالْبَاءُ إِمَّا لِتَوْكِيدِ لُصُوقِ الْمَفْعُولِ بِفِعْلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة: ١٠] ، وَإِمَّا لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الِاعْتِصَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى [لُقْمَان: ٢٢] .

وَقَدْ أُوهِمَ فِي «الْقَامُوس» و «اللِّسَان» و «التَّاج» أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ.