وَتَخْصِيصُ الذِّكْرِ بِالْكَوْنِ فِي الْقُرْآنِ لِمُنَاسَبَتِهِ الْكَلَامَ عَلَى أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ، أَوْ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَقْصُودٌ مِنْهُ التَّعْلِيمُ وَالدَّعْوَةُ إِلَى الدِّينِ، فَخُلُوُّ آيَاتِهِ عَنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ مَعَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّعْرِيضُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ فَمِنْ ثَمَّ يَغْضَبُونَ كُلَّمَا وَرَدَ ذِكْرُ اللَّهِ وَلَمْ تُذْكَرْ آلِهَتُهُمْ، فَكَوْنُهُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْقَرِينَةَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إِنْكَارَ آلِهَتِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: وَحْدَهُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ فِي [الْأَعْرَافِ: ٧٠] .
وَالتَّوْلِيَةُ: الرُّجُوعُ مِنْ حَيْثُ أَتَى. وعَلى أَدْبارِهِمْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فِي سُورَة الْعُقُود [الْمَائِدَة: ٢١] .
ونُفُوراً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ نَافِرٍ مِثْلَ سُجُودٍ وَشُهُودٍ. وَوَزْنُ فُعُولٍ يَطَّرِدُ فِي جَمْعِ فَاعِلٍ فَيَكُونُ اسْمُ الْفَاعِلِ عَلَى صِيغَةِ الْمَصْدَرِ فَيَكُونُ نُفُورًا عَلَى هَذَا مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ وَلَّوْا، وَيَجُوزُ جَعْلُهُ مَصْدَرًا مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِأَجْلِهِ، أَيْ وَلَّوْا بِسَبَبِ نُفُورِهِمْ من الْقُرْآن.
[٤٧]
[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٤٧]
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧)
كَانَ الْمُشْرِكُونَ يحيطون بالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ يَسْتَمِعُونَ لِمَا يَقُولُهُ لِيَتَلَقَّفُوا مَا فِي الْقُرْآنِ مِمَّا يُنْكِرُونَهُ، مِثْلَ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَإِثْبَاتِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيُعَجِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ جُعِلَتْ فِي قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةٌ أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَأَنَّهُمْ يُوَلُّونَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَيُثِيرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ سُؤَالًا عَنْ سَبَبِ تَجَمُّعِهِمْ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَة النبيء- عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام-، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ. فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute