وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَخَوَيْنِ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، كَانَا غَنِيَّيْنِ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُ يُنْفِقُ مَالَهُ فِي الصَّدَقَاتِ وَكَانَ الْكَافِرُ يُنْفِقُ مَالَهُ فِي اللَّذَّاتِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عِبْرَةٌ مِنَ الْحَذَرِ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ وَوُجُوبِ الِاحْتِرَاسِ مِمَّا يَدْعُونَ إِلَيْهِ وَيُزَيِّنُونَهُ من المهالك.
[٥٨- ٦٠]
[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ٥٨ إِلَى ٦٠]
أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠)
عطفت الْفَاء الِاسْتِفْهَامِ عَلَى جُمْلَةِ قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [الصافات: ٥٤] ، فَالِاسْتِفْهَامُ مُوَجَّهٌ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ إِلَى بَعْضِ الْمُتَسَائِلِينَ. وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّقْرِيرِ الْمُرَادِ بِهِ التَّذْكِيرُ بِنِعْمَةِ الْخُلُودِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَطْلَعَهُمْ عَلَى مَصِيرِ قَرِينِهِ السُّوءِ أَقْبَلَ عَلَى رِفَاقِهِ بِإِكْمَالِ حَدِيثِهِ تَحَدُّثًا بِالنِّعْمَةِ وَاغْتِبَاطًا وَابْتِهَاجًا بِهَا، وَذِكْرًا لَهَا فَإِنَّ لِذِكْرِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْبُوبَةِ لَذَّةً فَمَا ظَنُّكَ بِذِكْرِ نِعْمَةٍ قَدِ انْغَمَسُوا فِيهَا وَأَيْقَنُوا بِخُلُودِهَا. وَلَعَلَّ نَظْمَ هَذَا التَّذَكُّرِ فِي أُسْلُوبِ الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ لِقَصْدِ أَنْ يَسْمَعَ تَكَرُّرَ ذِكْرِ ذَلِكَ حِينَ يُجِيبُهُ الرِّفَاقُ بِأَنْ يَقُولُوا: نَعَمْ مَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْمَوْتَ الْمَنْفِيَّ هُوَ الْمَوْتُ فِي الْحَالِ، أَوِ الِاسْتِقْبَالِ كَمَا هُوَ شَأْنُ اسْمِ الْفَاعِلِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمَنْفِيِّ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنِ الْمَوْتَةُ الْأُولَى. وَذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكُ تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ. وَانْتِصَابُهُ لِأَجْلِ الِانْقِطَاعِ لَا لِأَجْلِ النَّفْيِ.
وَعَطَفَ وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ لِيَتَمَحَّضَ الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَيْضًا مَا هُمْ بِمَيِّتِينَ وَلَكِنَّهُمْ مُعَذَّبُونَ فَحَالُهُمْ شَرٌّ مِنَ الْمَوْتِ. قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَا شَرُّ مِنَ الْمَوْتِ؟ فَقَالَ: الَّذِي يُتَمَنَّى فِيهِ الْمَوْتُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ جُمْلَةَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ حِكَايَةٌ لِبَقِيَّةِ كَلَامِ الْقَائِلِ لِرِفَاقِهِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ وَالْفَذْلَكَةِ لِحَالَتِهِمُ الْمُشَاهَدِ بَعْضُهَا وَالْمُتَحَدَّثِ عَنْ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ: أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute