عُهِدَ بِهِ إِلَيْهِ. وَقَدْ جَمَعَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الْأَنْفَال: ٢٧] .
وَانْتَصَبَ شَيْئاً عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِ يُغْنِيا لِأَنَّ الْمَعْنَى شَيْئًا مِنَ الْغِنَى، وَتَنْكِيرُ شَيْئاً لِلتَّحْقِيرِ، أَيْ أَقَلَّ غِنًى وَأَجْحَفَهُ بَلْهَ الْغِنَى الْمُهِمِّ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ [١٩] .
وَزِيَادَةُ مَعَ الدَّاخِلِينَ لإِفَادَة مساواتهما فِي الْعَذَابِ لِغَيْرِهِمَا مِنَ الْكَفَرَةِ الْخَوَنَةِ.
وَذَلِكَ تأييس لَهما مِنْ أَن ينتفعا بِشَيْء مِنْ حُظْوَةِ زَوْجِيهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الْأَنْعَام: ٢٢] .
[١١]
[سُورَة التَّحْرِيم (٦٦) : آيَة ١١]
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١)
لَمَّا ضُرِبَ الْمَثَلُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [الممتحنة: ١٠] أُعْقِبَ بِضَرْبِ مَثَلٍ لِلَّذِينَ آمَنُوا لِتَحْصُلَ الْمُقَابَلَةُ فَيَتَّضِحَ مَقْصُودُ الْمَثَلَيْنِ مَعًا، وَجَرَيَا عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي إِتْبَاعِ التَّرْهِيبِ بِالتَّرْغِيبِ.
وَجُعِلَ الْمَثَلُ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِحَالِ امْرَأَتَيْنِ لِتَحْصُلَ الْمُقَابَلَةُ لِلْمَثَلَيْنِ السَّابِقَيْنِ، فَهَذَا مِنْ مُرَاعَاةِ النَّظِيرِ فِي الْمَثَلَيْنِ.
وَجَاءَ أَحَدُ الْمَثَلَيْنِ لِلَّذِينَ آمنُوا مثلا لِإِخْلَاصِ الْإِيمَانِ. وَالْمَثَلُ الثَّانِي لِشِّدَّةِ التَّقْوَى.
فَكَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مثلا لمتانة إِيمَان الْمُؤْمِنِينَ وَمَرْيَمُ مَثَلًا لِلْقَانِتِينَ لِأَن الْمُؤمنِينَ تبرأوا مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِمُ الَّذِينَ بَقَوْا عَلَى الْكُفْرِ بِمَكَّةَ.
وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ هَذِهِ هِيَ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِ مُوسَى وَهُوَ منفط الثَّالِثُ وَلَيْسَتِ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ الَّتِي تَبَنَّتْ مُوسَى حِينَ الْتَقَطَتْهُ مِنَ الْيَمِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي زَمَنِ فِرْعَوْنَ رَعَمْسِيسَ الثَّانِي وَكَانَ بَيْنَ الزَّمَنَيْنِ ثَمَانُونَ سَنَةً. وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِدِينٍ قَبْلَ أَنْ يُرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى.