للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذِكْرُ خُرُوجِهَا مِنَ السَّفِينَةِ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثُمَّ طُوِيَ ذِكْرُهَا لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ بَرَكَتَهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَمِيثَاقَهُ مَعَهُمْ فَلَمْ تُذْكَرْ مَعَهُمْ زَوْجُهُ. فَلَعَلَّهَا كَفَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَعَلَّ نُوحًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى بَعْدَ الطُّوفَانِ لَمْ تُذْكَرْ فِي التَّوْرَاةِ.

وَوَصَفَ اللَّهُ فِعْلَ امْرَأَةِ نُوحٍ بِخِيَانَةِ زَوْجِهَا، فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هِيَ خِيَانَةٌ فِي الدِّينِ، أَيْ كَانَتْ كَافِرَةً مُسِرَّةً الْكُفْرَ، فَلَعَلَّ الْكُفْرَ حَدَثَ مَرَّةً أُخْرَى فِي قَوْمِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَانِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ امْرَأَة لوط فقد ذكر فِي الْقُرْآنِ مَرَّاتٍ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَيُقَالُ:

فُلَانَةٌ كَانَتْ تَحْتَ فُلَانٍ، أَيْ كَانَتْ زَوْجًا لَهُ.

وَالتَّحْتِيَّةُ هُنَا مَجَازٌ فِي مَعْنَى الصِّيَانَةِ وَالْعِصْمَةِ وَمِنْهُ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي «الْمُوَطَّأِ» وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ أُمِّ حَرَامِ بِنْتِ مِلْحَانَ: «وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ» .

وَمِنْ بَدَائِعِ الْأَجْوِبَةِ أَنَّ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ مِنَ الشِّيعَةِ سَأَلَ أَحَدَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ: مَنْ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَجَابَهُ: «الَّذِي كَانَتِ ابْنَتُهُ تَحْتَهُ» فَظَنَّ أَنَّهُ فَضَّلَ عَلِيًّا إِذْ فَهِمَ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ «ابْنَةُ» ضَمِيرُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الضَّمِيرَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ (تَحْتَ) ضَمِيرُ اسْمِ الْمَوْصُولِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ السُّنِّيُّ الْعَكْسَ بِأَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ «ابْنَتُهُ» ضَمِيرَ الْمَوْصُولِ «تَحْتَهُ» ضَمِيرَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ.

وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدَيْنِ نُوحٌ وَلُوطٌ وَإِنَّمَا خُصَّا بِوَصْفِ «عَبْدَيْنِ صَالِحَيْنِ» مَعَ أَنَّ وصف النُّبُوَّة أخص مِنْ وَصْفِ الصَّلَاحِ تَنْوِيهًا بِوَصْفِ الصَّلَاحِ وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّ النُّبُوَّةَ صَلَاح ليعظم بذلك شَأْنُ الصَّالِحِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات: ١١٢] . وَلِتَكُونَ الْمَوْعِظَةُ سَارِيَةً إِلَى نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي مُعَامَلَتِهِنَّ أَزْوَاجَهُنَّ فَإِن وصف النبوءة قَدِ انْتَهَى بِالنَّسْبَةِ لِلْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَهْوِيلِ الْأَذَى لِعَبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَعِنَايَةِ رَبِّهِمْ بِهِمْ وَمُدَافَعَتِهِ عَنْهُمْ.

وَالْخِيَانَةُ وَالْخَوْنُ ضِدُّ الْأَمَانَةِ وَضِدُّ الْوَفَاءِ، وَذَلِكَ تَفْرِيطُ الْمَرْءِ مَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ وَمَا