لِآيَاتِهِ تَعَلُّقُ الْعَامِلِ بِمَعْمُولِهِ كَقَوْلِهِمْ: شُكْرًا لَكَ، فَكُلٌّ مِنْ (سُحْقًا) وَالْلَّامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي معنييه.
ولِأَصْحابِ السَّعِيرِ يَعُمُّ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ وَغَيْرَهُمْ فَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُمُومِ تَبَعًا لِلْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَسُحْقاً بِسُكُونِ الْحَاءِ. وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ لُغَةٌ فِيهِ وَذَلِكَ لِاتِّبَاعِ ضمة السِّين.
[١٢]
[سُورَة الْملك (٦٧) : آيَة ١٢]
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)
اعْتِرَاضٌ يُفِيدُ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَاءَ عَلَى سُنَنِ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ مِنْ تَعْقِيبِ الرَّهْبَةِ بِالرَّغْبَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ مَا أُعِدَّ لِلْكَافِرِينَ الْمُعْرِضِينَ عَنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَعْقَبَهُ بِمَا أُعِدَّ لِلَّذِينِ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالثَّوَابِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَتَرَقَّبُونَ مَا يُمَيِّزُهُمْ عَنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَدَّمَ الْمَغْفِرَةَ تَطْمِينًا لِقُلُوبِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَخْشَوْنَ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى مَا فَرُطَ مِنْهُمْ مَنِ الْكُفْرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَمِنَ اللَّمَمِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ أُعْقِبَتْ بِالْبِشَارَةِ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ، فَكَانَ الْكَلَامُ جَارِيًا عَلَى قَانُونِ تَقْدِيمِ التَّخْلِيَة على التحلية، أَوْ تَقْدِيمِ دَفْعِ الضُّرِّ عَلَى جَلْبِ النَّفْعِ، وَالْوَصْفُ بِالْكَبِيرِ بِمَعْنَى الْعَظِيمِ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ [الْملك: ٩] .
وَتَنْكِيرُ مَغْفِرَةٌ لِلتَّعْظِيمِ بِقَرِينَةِ مُقَارَنَتِهِ بِ أَجْرٌ كَبِيرٌ وَبِقَرِينَةِ التَّقْدِيمِ.
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي جُمْلَةِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لِيَتَأَتَّى تَنْكِيرُ الْمُبْتَدَإِ، وَلِإِفَادَةِ الْاهْتِمَامِ، وَلِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ وَهِيَ نكت كَثِيرَة.
[١٣- ١٤]
[سُورَة الْملك (٦٧) : الْآيَات ١٣ إِلَى ١٤]
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)
عطف على الْجمل السَّابِقَةِ عَطْفَ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ، وَهُوَ انْتِقَالٌ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ لِمُنَاسَبَةِ حِكَايَةِ أَقْوَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِذِكْرِ أَقْوَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ الْأَقْوَالُ الَّتِي