[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٦٦]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٦٦)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ بِتَنْزِيلِ سَامِعِ قَوْلِهِ: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ [الزخرف:
٦٥] مَنْزِلَةَ مَنْ يَطْلُبُ الْبَيَانَ فَيَسْأَلُ: مَتَى يَحُلُّ هَذَا الْيَوْمُ الْأَلِيمُ؟ وَمَا هُوَ هَذَا الْوَيْلُ؟ فَوَرَدَتْ جُمْلَةُ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً جَوَابًا عَنِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنَ السُّؤَالِ، وَسَيَجِيءُ الْجَوَابُ عَنِ الشِّقِّ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [الزخرف: ٦٧] وَفِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ [الزخرف: ٧٤] الْآيَاتِ.
وَقَدْ جَرَى الْجَوَابُ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ سَوَاءٌ قُرْبَ زَمَانِ وُقُوعِهِ أَمْ بَعْدُ، فَلَا يُرِيبُكُمْ عَدَمُ تَعْجِيلِهِ قَالَ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ [يُونُس: ٥٠] ، وَقَدْ أَشْعَرَ بِهَذَا الْمَعْنَى تَقْيِيدُ إِتْيَانِ السَّاعَةِ بِقَيْدِ بَغْتَةً فَإِنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَا تَسْبِقُهُ أَمَارَةٌ لَا يُدْرَى وَقْتُ حُلُولِهِ.
ويَنْظُرُونَ بِمَعْنَى يَنْتَظِرُونَ، وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ لَا يَنْتَظِرُونَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَكُوا لِحُصُولِ الْعَذَابِ إِلَّا حُلُولَ السَّاعَةِ. وَعَبَّرَ عَنِ الْيَوْمِ بِالسَّاعَةِ تَلْمِيحًا لِسُرْعَةِ مَا يَحْصُلُ فِيهِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي السَّاعَةَ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ. وَالْبَغْتَةُ: الْفَجْأَةُ، وَهِيَ: حُصُولُ الشَّيْءِ عَنْ غَيْرِ تَرَقُّبٍ.
وأَنْ تَأْتِيَهُمْ بَدَلٌ مِنَ السَّاعَةَ بَدَلًا مُطَابِقًا فَإِنَّ إِتْيَانَ السَّاعَةِ هُوَ عَيْنُ السَّاعَةِ لِأَنَّ مُسَمَّى السَّاعَةِ حُلُولُ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَالْحُلُولُ هُوَ الْمَجِيءُ الْمَجَازِيُّ الْمُرَادُ هُنَا.
وَجُمْلَةُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي تَأْتِيَهُمْ.
وَالشُّعُورُ: الْعِلْمُ بِحُصُولِ الشَّيْءِ الْحَاصِلِ.
وَلَمَّا كَانَ مَدْلُولُ بَغْتَةً يَقْتَضِي عَدَمَ الشُّعُورِ بِوُقُوعِ السَّاعَةِ حِينَ تَقَعُ عَلَيْهِمْ كَانَتْ جُمْلَةُ الْحَالِ مُؤَكِّدَةً لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قبلهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute