وَالْمَعِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: مَعَكُمْ مَجَازِيَّةٌ مستعملة فِي الْإِشْرَاك فِي مُطلق الِانْتِظَار.
[٢١]
[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٢١]
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (٢١)
لَمَّا حَكَى تَمَرُّدَ الْمُشْرِكِينَ بَيَّنَ هُنَا أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ لَاهُونَ بِبَطَرِهِمْ وَازْدِهَائِهِمْ بِالنِّعْمَةِ وَالدَّعَةِ فَأَنْسَاهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ أَنْ يَتَوَقَّعُوا حُدُوثَ ضِدِّهِ فَتَفَنَّنُوا فِي التَّكْذِيبِ بِوَعِيدِ اللَّهِ أَفَانِينَ الِاسْتِهْزَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: ١١] .
وَجَاءَ الْكَلَامُ عَلَى طَرِيقَةِ الْحِكَايَةِ عَنْ حَالِهِمْ، وَالْمُلْقَى إِلَيْهِ الْكَلَامُ هُوَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمُؤْمِنُونَ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِتَذْكِيرِ الْكُفَّارِ بِحَالِ حُلُولِ الْمَصَائِبِ بِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، فَيُعِدُّوا عُدَّةَ الْخَوْفِ مِنْ حُلُولِ النِّقْمَةِ الَّتِي أَنْذَرَهُمْ بِهَا فِي قَوْله فَانْتَظِرُوا [يُونُس: ٢٠] كَمَا
فِي الْحَدِيثِ: «تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ»
. فَالْمُرَادُ بِ النَّاسَ النَّاسُ الْمَعْهُودُونَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ [يُونُس: ١٢] .
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ تُشِيرُ إِلَى مَا أَصَابَ قُرَيْشًا مِنَ الْقَحْطِ سَبْعَ سِنِينَ بِدُعَاءِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْقَحْطَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ، فَلَمَّا حَيُوا طَفِقُوا يَطْعَنُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَيُعَادُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكِيدُونَ لَهُ. وَالْقَحْطُ الَّذِي أَصَابَ قُرَيْشًا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ. وَقَدْ أُنْذِرُوا فِيهَا بِالْبَطْشَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ بَطْشَةُ يَوْمِ بَدْرٍ. فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ بَعْدَ انْقِرَاضِ السَّبْعِ السِّنِينَ الَّتِي هِيَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ وَبَعْدَ أَنْ حَيُوا، فَتَكُونُ قَدْ نَزَلَتْ بَعْدَ سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ الْبَعْثَةِ أَوْ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ.
وَالْإِذَاقَةُ: مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ اسْتِعَارَةً أَوْ مَجَازًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute