مِنْهُ التَّحَدِّي بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَعَجْزِهِمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِأَنَّهُ كَلَامٌ بِلُغَتِهِمْ وَمُؤَلَّفٌ مِنْ حُرُوفِهَا فَكَيْفَ عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ. فَالتَّقْدِيرُ: وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أَنَّهُ لَمِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِهَذَا عَجَزْتُمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ.
وَثَانِيهِمَا: الَّذِي أَرَى أَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ أَيْضًا دَلَّ عَلَيْهِ الْإِضْرَابُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ:
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ [ص: ٢] بَعْدَ أَنْ وُصِفَ الْقُرْآنُ بِ ذِي الذِّكْرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَمُوقِظٌ لِلْعُقُولِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ لَذِكْرٌ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ يَجْحَدُونَ أَنَّهُ ذِكْرٌ وَيَقُولُونَ: سِحْرٌ مُفْتَرًى وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ حَقٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الْأَنْعَام: ٣٣] ، فَجَوَابُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَلَيْسَ حَرْفُ ص هُوَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْقَسَمِ، أَيْ لَيْسَ دَلِيلُ الْجَوَابِ مِنَ اللَّفْظِ بَلْ مِنَ الْمَعْنَى وَالسِّيَاقِ.
وَالْغَرَضُ مِنْ حَذْفِ جَوَابِ الْقَسَمِ هُنَا الْإِعْرَاضُ عَنْهُ إِلَى مَا هُوَ أَجْدَرُ بِالذِّكْرِ وَهُوَ صِفَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا الْقُرْآنَ عِنَادًا أَوْ شقاقا مِنْهُم.
[٢]
[سُورَة ص (٣٨) : آيَة ٢]
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢)
بَلِ لِلْإِضْرَابِ الْإِبْطَالِيِّ وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْإِضْرَابِ الْإِبْطَالِيِّ نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّاغِبُ فِي «مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ» وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» ، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ إِبْطَالًا مَحْضًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ بِحَيْثُ يَكُونُ حَرْفُ بَلِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ حَرْفِ النَّفْيِ كَمَا هُوَ غَالِبُ الْإِضْرَابِ الْإِبْطَالِيِّ، وَلَا هُوَ إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ، وَلَكِنَّ هَذَا إِبْطَالٌ لِتَوَهُّمٍ يَنْشَأُ عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ إِذْ دَلَّ وَصْفُ الْقُرْآنِ بِ ذِي الذِّكْرِ [ص: ١] أَنَّ الْقُرْآنَ مُذَكِّرٌ سَامِعِيهِ تَذْكِيرًا نَاجِعًا، فعقب بِإِزَالَة تو هم مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ عَدَمَ تَذَكُّرِ الْكُفَّارِ لَيْسَ لِضَعْفٍ فِي تَذْكِيرِ الْقُرْآنِ وَلَكِنْ لِأَنَّهُمْ مُتَعَزِّزُونَ مُشَاقُّونَ، فَحَرْفُ بَلِ فِي مِثْلِ هَذَا بِمَنْزِلَةِ حَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَحْقِيقُ أَنَّهُ ذُو ذِكْرٍ، وَإِزَالَةُ الشُّبْهَةِ الَّتِي قَدْ تَعْرِضُ فِي ذَلِكَ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ [ق:
١، ٢] ، أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute