وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي بَدَّلُوا بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ أَوْ فِي شُعَيْرَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَن الْعشْرَة استهزؤا بِالْكَلَامِ الَّذِي أَعْلَنَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّرْغِيبِ فِي فَتْحِ الْأَرْضِ وَكَنَّوْا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مُحَاوَلَتَهُمْ فَتْحَ الْأَرْضِ كَمُحَاوَلَةِ رَبْطِ حَبَّةٍ بِشَعْرَةٍ أَيْ فِي التَّعَذُّرِ، أَوْ هُوَ كَأَكْلِ حَبَّةٍ مَعَ شَعْرَةٍ تَخْنُقُ آكِلَهَا، أَوْ حَبَّةٍ مِنْ بُرٍّ مَعَ شُعَيْرَةٍ.
وَقَوْلُهُ: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَقَوْلُهُ: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا اعْتَنَى فِيهِمَا بِالْإِظْهَارِ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الرِّجْزَ خَصَّ الَّذِينَ بَدَّلُوا الْقَوْلَ وَهُمُ الْعَشَرَةُ الَّذِينَ أَشَاعُوا مَذَمَّةَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا السَّبَبَ فِي شَقَاءِ أُمَّةٍ كَامِلَةٍ. وَفِي هَذَا مَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِكُلِّ مَنْ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِإِرْشَادِ قَوْمٍ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِمَا يَأْتِي وَيَذَرُ وَعِلْمٍ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ فَمِنَ الْبِرِّ مَا يَكُونُ عُقُوقًا، وَفِي الْمَثَلِ «عَلَى أَهْلِهَا تَجْنِي بَرَاقِشُ» وَهِيَ اسْمُ كَلْبَةِ قَوْمٍ كَانَتْ تَحْرُسُهُمْ بِاللَّيْلِ فَدَلَّ نَبْحُهَا أَعْدَاءَهُمْ عَلَيْهِمْ فَاسْتَأْصَلُوهُمْ فَضربت مثلا.
[٦٠]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٦٠]
وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)
تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةٍ أُخْرَى جَمَعَتْ ثَلَاثَ نِعَمٍ وَهِيَ الرِّيُّ مِنَ الْعَطَشِ، وَتِلْكَ نِعْمَةٌ كُبْرَى أَشَدُّ مِنْ نِعْمَةِ إِعْطَاءِ الطَّعَامِ وَلِذَلِكَ شَاعَ التَّمْثِيلُ بِرِيِّ الظَّمْآنِ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ. وَكَوْنُ السَّقْيِ فِي مَظِنَّةِ عَدَمِ تَحْصِيلِهِ وَتِلْكَ مُعْجِزَةٌ لِمُوسَى وَكَرَامَةٌ لِأُمَّتِهِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَضْلًا لَهُمْ.
وَكَوْنُ الْعُيُونِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لِيَسْتَقِلَّ كُلُّ سِبْطٍ بِمَشْرَبٍ فَلَا يَتَدَافَعُوا.
وَقَوْلُهُ: وَإِذِ مُتَعَلق ب اذْكُرُوا وَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى حَادِثَةٍ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْيَهُودِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا فِي «رَفِيدِيمَ» قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى بَرِّيَّةِ سِينَا وَبَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينَ فِي حُدُودِ الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِنَ الْخُرُوجِ عَطِشُوا وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَوْضِعِ مَاءٌ فَتَذَمَّرُوا عَلَى مُوسَى وَقَالُوا أَتُصْعِدُنَا مِنْ مِصْرَ لِنَمُوتَ وَأَوْلَادُنَا وَمَوَاشِينَا عَطَشًا فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ صَخْرَةً هُنَاكَ فِي «حُورِيبَ» فَضَرَبَ فَانْفَجَرَ مِنْهَا الْمَاءُ. وَلَمْ تَذْكُرِ التَّوْرَاةُ أَنَّ الْعُيُونَ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا وَذَلِكَ التَّقْسِيمُ مِنَ الرِّفْقِ بِهِمْ لِئَلَّا يَتَزَاحَمُوا مَعَ كَثْرَتِهِمْ فَيَهْلِكُوا فَهَذَا
مِمَّا بَيَّنَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute