وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ يَقُولُ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ- وَضَمِيرُ الْغَائِبِ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ نَقُولُ بِنُونِ الْعَظَمَةِ.
وَالْيَوْمُ الَّذِي يَقع فِيهِ هَذَا القَوْل هُوَ يَوْمُ الْحَشْرِ. وَالْمَعْنَى: يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: الَّذِينَ زَعَمْتُمْ، أَيْ زَعَمْتُمُوهُمْ شُرَكَائِي. وَقَدَّمَ وَصْفَهُمْ بِوَصْفِ الشُّرَكَاءِ قَبْلَ فِعْلِ الزَّعْمِ تَهَكُّمًا بِالْمُخَاطَبِينَ وَتَوْبِيخًا لَهُمْ، ثُمَّ أَرْدَفَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِمْ فِيمَا ادَّعَوْا بِفِعْلِ الزَّعْمِ الدَّالِّ عَلَى اعْتِقَادٍ بَاطِلٍ.
وَالنِّدَاءُ: طَلَبُ الْإِقْبَالِ لِلنُّصْرَةِ وَالشَّفَاعَةِ.
وَالِاسْتِجَابَةُ: الْكَلَامُ الدَّالُّ عَلَى سَمَاعِ النِّدَاءِ وَالْأَخْذِ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى الْمُنَادِي بِنَحْوِ قَوْلِ: لَبَّيْكُمْ.
وَأَمْرُهُ إِيَّاهُمْ بِمُنَادَاةِ شُرَكَائِهِمْ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ مَعَ إِرَادَةٍ لَازِمِهِ وَهُوَ إِظْهَارُ باطلهم بِقَرِينَة فعل الزَّعْمِ. وَلِذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُمْ إِلَّا أَنْ يُنَادُوهُمْ حَيْثُ قَالَ فَدَعَوْهُمْ لِطَمَعِهِمْ، فَإِذَا نَادَوْهُمْ تَبَيَّنَ لَهُمْ خَيْبَةُ طَمَعِهِمْ. وَلِذَلِكَ عَطَفَ فِعْلَ الدُّعَاءِ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ. وَأَتَى بِهِ فِي صِيغَةِ الْمُضِيِّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَعْجِيلِ وُقُوعِهِ حِينَئِذٍ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدِ انْقَضَى.
وَالْمَوْبِقُ: مَكَانُ الْوُبُوقِ، أَيِ الْهَلَاكِ. يُقَالُ: وَبَقَ مِثْلُ وَعَدَ وَوَجِلَ وَوَرِثَ. وَالْمَوْبِقُ هُنَا أُرِيدَ بِهِ جَهَنَّمُ، أَيْ حِينَ دَعَوْا أَصْنَامَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ كَوَّنَ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَ مَكَانِهِمْ وَمَكَانِ أَصْنَامِهِمْ فُوَّهَاتِ جَهَنَّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً جُمْلَةَ حَالٍ أَيْ وَقَدْ جَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا تَمْهِيدًا لِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ [الْكَهْف: ٥٣] .
[٥٣]
[سُورَة الْكَهْف (١٨) : آيَة ٥٣]
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً [الْكَهْف: ٥٢] ، أَيْ جَعَلْنَا الْمَوْبِقَ وَرَآهُ الْمُجْرِمُونَ، فَذِكْرُ الْمُجْرِمِينَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْمُجْرِمُونَ مِنْ تَلَبُّسِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute