وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ من جعل مَا صدق: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ هُنَا الْيَهُودَ، وَجَعَلَهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النِّسَاء: ٥٤] ، وَارْتَقَى بِذَلِكَ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ أُلْحِقَتْ بِالسُّورَةِ الْمَكِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِ السُّورَةِ، وَأَيَّدُوا تَفْسِيرَهُمْ هَذَا بِآثَارٍ لَوْ صَحَّتْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ صُلُوحِيَّةِ الْآيَةِ لَأَنْ تُضْرَبَ مَثَلًا لِكُلِّ فَرِيقٍ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ جدالا يدفعهم إِلَيْهِم الْكِبْرُ.
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لَمَّا ضَمِنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ يَحْدُوهُمْ إِلَى الْجِدَالِ كِبْرُهُمُ الْمُنْطَوِي عَلَى كَيْدِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا يبلغون من أَضْمَرُوهُ وَمَا يُضْمِرُونَهُ، فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَجْعَلَ اللَّهَ مَعَاذَهُ مِنْهُمْ، أَيْ لَا يَعْبَأُ بِمَا يُبَيِّتُونَهُ، أَيْ قَدِّمْ عَلَى طَلَبِ الْعَوْذِ بِاللَّهِ.
وَحَذَفَ مُتَعَلِّقَ (اسْتَعِذْ) لِقَصْدِ تَعْمِيمِ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ مَا يُخَافُ مِنْهُ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالدَّوَامِ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ، أَيْ لِأَنَّهُ الْمُطَّلِعُ عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَنْتَ لَا تُحِيطُ عِلْمًا بِتَصَارِيفِ مَكْرِهِمْ وَكَيْدِهِمْ.
وَالتَّوْكِيدُ بِحَرْفِ (إِنَّ) ، وَالْحَصْرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ مُرَاعًى فِيهِ التَّعْرِيضُ بِالْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ وَهُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى إِبْطَالِ مَا يَصْنَعُونَهُ لَا أَنْتَ فَكَيْفَ يَتِمُّ لَهُمْ مَا أضمروه لَك.
[٥٧]
[سُورَة غَافِر (٤٠) : آيَة ٥٧]
لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)
مُنَاسَبَةُ اتِّصَالِ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ أَهَمَّ مَا جَادَلُوا فِيهِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ هِيَ الْآيَاتُ الْمُثْبِتَةُ لِلْبَعْثِ وَجِدَالُهُمْ فِي إِثْبَاتِ الْبَعْثِ هُوَ أَكْبَرُ شُبْهَةٍ لَهُمْ ضَلَّلَتْ أَنْفُسَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute