وَجَعَلَ الدَّعْوَةَ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ، لأنّ دَعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَّةٌ لِسَائِرِ النَّاسِ. وَقَدْ أَشْعَرَ هَذَا بِأَنَّ انْتِفَاءَ سُؤَالِ الْأَجْرِ عَلَيْهِ لِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذِكْرَى لَهُمْ وَنُصْحٌ لِنَفْعِهِمْ فَلَيْسَ مُحْتَاجًا لِجَزَاءٍ مِنْهُمْ، ثَانِيهمَا: أَنَّهُ ذِكْرَى لِغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ وَلَيْسَ خاصّا بهم.
[٩١]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٩١]
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١)
وُجُودُ وَاوِ الْعَطف فِي صدر هَذِهِ الْجُمْلَةِ يُنَادِي عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ مُتَنَاسِقَةً مَعَ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَأَنَّهَا وَإِيَّاهَا وَارِدَتَانِ فِي غَرَضٍ وَاحِدٍ هُوَ إِبْطَالُ مَزَاعِمِ الْمُشْرِكِينَ، فَهَذَا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ [الْأَنْعَام: ٨٩] ، وَأَنَّهَا لَيْسَتِ ابْتِدَائِيَّةً فِي غَرَضٍ آخَرَ. فَوَاوُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ قَدَرُوا عَائِدٌ عَلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ اسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْله: هؤُلاءِ [الْأَنْعَام:
٨٩] كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا. ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا اسْتَشْعَرُوا نُهُوضَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي نُزُولِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِدْعًا مِمَّا نَزَلَ عَلَى الرُّسُلِ، وَدَحَضَ قَوْلَهُمْ: لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً [الْفرْقَان: ٧] تَوَغَّلُوا فِي الْمُكَابَرَةِ وَالْجُحُودِ فَقَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ وَتَجَاهَلُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ رِسَالَةِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَكِتَابِهِ. فَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ: أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ.
وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي هَذَا الْمَوْقِعِ كَالنَّتِيجَةِ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالشَّرَائِعِ وَالْكُتُبِ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute